تعيد الحرب في دولة الجنوب، ترتيب أوراق كثيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وقد أخذت هذه الاقتتالات العنيفة المنطقة برمتها والعالم الغربي على حين غرة! ولم تكن متوقعة أن تصل إلى هذه الدرجة التي تهدد بقاء الدولة الجديدة ووحدة أهلها وترابها..
ففي الوقت الذي تهرب فيه واشنطون عن جوبا وتقرر إجلاء كل العاملين بسفارتها من دولة جنوب السودان، فإن بقية دول العالم كما توقعنا من قبل، ستترك هذه الحرب منسية، تأكل نيرانها بعضها بعضاً…
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى، تريد من دولة الجنوب أن تكون واحدة من أدواتها في المنطقة ومنصة تنطلق منها لتنفيذ مخططاتها وإستراتيجياتها في إعادة تفكيك وتركيب هذا الجزء من القارة.. بما فيه السودان..
ولقصر النظر الإستراتيجي والتعمق الكافي في أوضاع دولة الجنوب ومكوناتها السكانية والقبلية وثقافة مجموعاتها العرقية، عجز العقل الغربي وخاصة الأمريكي عن صياغة عناصر بناء هذه الدولة، وأخفقت بامتياز في بلورة مسارات واضحة لضمان نجاح تجربة الدولة الوليدة وتوحيدها وإيجاد محور يدور حوله الوجدان الوطني لمواطنيها، وتوظيف الدولة نفسها بعد إعادة تأهيل مؤسساتها العسكرية والنظامية والسياسية لخدمة الأهدف الكبرى التي من أجلها صُنعت الحركة الشعبية واستُخدمت لحرب طويلة في السودان انتهت بانفصال الجنوب، ثم جاء الدور لرسم خارطة جديدة لوسط وشرق إفريقيا وتغيير الجغرافيا السياسية بالكامل..
وتعلم كثيرٌ من القوى الدولية والإقليمية أن دولة الجنوب، من الصعب جداً بعد اندلاع هذه الحرب، نظمها في خيط ناظم من جديد وجمع شتيتها حتى تقوم بواجباتها في إطار منظومة إقليمية ودولية، فكل الخيارات باتت على شفير الهاوية أو قل سقطت عمودياً إلى قاع سحيق..
وبناء على ذلك هل هناك خيارات أخرى يمكن من خلالها إعادة إنتاج صورة لدولة جنوب السودان؟
الإجابة القاطعة عسيرة لأي مراقب ومتابع، لكن معطيات الواقع قد تجعل من الاجتهادات ميسورة بعض الشيء ويمكن إجمالها في ما يلي:
إذا فشلت المفاوضات المتعثرة حتى اللحظة في أديس أبابا ولم يتحقق وقف إطلاق النار، فإن دائرة الحرب ستتسع وستكون هناك مواجهات دامية في كثير من مناطق جنوب السودان، مما ينذر بوقوع ما لا يحمد عقباه بتفتت الدولة إلى عدة دويلات، وسبقت هيئة الإذاعة البريطانية ورويترز بالتنبؤ بانقسام الدولة إلى دويلات صغيرة وهشة تتوزع قبلياً، وسيكون هناك أرخبيل من الجغرافيا المتقاطعة سياسياً، ربما تُضم بعض الأطراف لدول في الجوار، فأجزاء من الاستوائية أو كلها في حال انهيار الدولة ستذهب ليوغندا بلا شك، وربما تختار بعض الأطراف كينيا وإثيوبيا والسودان.. فكله وارد إذا استمرت هذه الحرب وفشل التفاوض.
الاحتمال الثاني وهو الأكثر غرابة أن بعض الجهات الدولية، وبعض الجنوبيين أنفسهم بدأوا يفكرون بعمق في ضرورة إجراء مراجعات شاملة لما ترتب عن انفصال الجنوب عن بقية أجزاء السودان، وتوالدت أفكار يتم تداولها في حوارات بعضها علني، في كيفية إقامة اتحاد كونفدرالي مع السودان، في صيغة دولة بنظامين لإنقاذ ما تبقى من دولة الجنوب وتوفير فرص للعيش الآمن إذا توفرت صيغة محكمة لذلك..
وهذا التفكير ليس جديداً وقد طرحت بعض الجهات الدولية منذ التفاوض في نيفاشا قُبيل توقيع اتفاقية السلام الشامل، هذا الخيار وكانت هناك جهات إقليمية ودولية متحمسة له لكنها لم تكن الغالبة وذات الشوكة في مسارات التفاوض آنئذٍ!
وتنطوي هذه الفكرة في اتحاد كونفدرالي على قدر كبير من الخوف والخشية من وقوع الجنوب في هاوية الضياع إن استمرت الحرب، فتمزقات دولة بسبب تحول الحرب لحرب قبلية طاحنة تجعلها تتلاشى بسرعة وتذوب في نهر الدماء، ولن تستطيع العودة إلى ما كانت عليه مهما فعلت..
هذه هي بعض المآلات والأفكار التي يتم تداولها في عواصم إقليمية ودولية كما تشير تقارير دبلوماسية في بلدان شرق إفريقية تخشى أن تطول الحرب وتواجه دولة الجنوب شبح الزوال!
أما قبل : صحيفة الانتباهة[/SIZE][/JUSTIFY]
