وأردوغان ابتدر عمله السياسي بشكل واقعي حين خرج من بين قواعد حزب الرفاه الإسلامي كمرشح لعمدة (بي أولو)، التي تقع بها ساحة التقسيم التي شهدت مظاهرات ضده قبل حين – وخسر أردوغان تلك الانتخابات بفارق ضئيل لكنه اعترض تلك النتيجة وذهب إلى القضاء، وأمام المحكمة التي حكمت بصحة النتائج، خاطب أردوغان القاضي قائلا: كيف تصدر حكمك وأنت سكران؟ فأصدر القاضي حكماً بحبسة (7) أيام قضاها في سجن (بايرام باشا) الشهير.
ومنذ أن تولى رئاسة وزراء تركيا 14 مارس 2003م، عن حزب العدالة والتنمية ظل أسلوبه في الإدارة وطريقته في التعبير عن مواقفه موضع جدل كبير، فمنذ مغادرته الشهيرة لمنصة (دافوس) احتجاجاً على عدم منحة وقتاً كافياً لمقارعة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز الحجة بشأن الحرب على غزة، وإلى اعتصامات ميدان تقسيم المعارضة لسياسات حكومته التي أحالها بطريقته الخطابية التي تنطوي على تهديدات وصلف إلى مؤامرات خارجية، وهذا هو ذات التوصيف الذي دفع به إزاء أكبر فضيحة فساد أثناء حكمة (قيمتها 100 مليار دولار). فضيحة أدت إلى انقسام السلطتين التنفيذية والقضائية، واشعلت الشارع التركي مجدداً مطالباً برحيل أردوغان.
الرئيس أردوغان، ورغم خلفيته الإسلامية على النسق الإخواني، لكن يبدو واضحاً أنه واقع تحت تأثير نموذج الإمبراطورية العثمانية، وهذا ما أصطلح عليه بعض المحللين السياسيين بالأردوغانية أو (العثمانية الجديدة)، وهو نسق يجترح خطاباً سياسياً هجين (ديني/ مدني)، حاد وحاسم ومتمأزق أحياناً، فأردوغان قائد سياسي براجماتي رغم نسقة العقدي(Belief System) الإسلاموي الذي يأخذ منعطفات متشددة على مستواه الخطابي، لكنه يكرس لسياسة متوازنة على الأرض، أحدث تنمية اقتصادية كبيرة في بلاده وأعاد لها قوتها وهيبتها، لكن يبدو وعلاوة على الشرعية الطويلة لأمد للنظام الانتخابي التركي، وكون أردوغان صار نجماً ومحط نظر، بالتضافر مع خلفيته الفكرية عن السلطة، كل تلك العوامل وخلافها جعلته لا يلتفت لما يقول معارضوه من أن قيم المجمتع المدني ومكاسب المرأة أضحت مهددة وأن الحكومة تتدخل في حياة المواطن الخاصة مستشهدين بتصريحات أردوغان المتكررة بأنه يريد تنشئة جيل (محافظ)، وتعبيره عن نيته تعديل الدستور لتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، وتغاضيه عن لوبيات الفساد داخل حكومته مقابل دعمها له، فبدا أرودغان وكأنه وهو يدير الأزمة الأخيرة، وكأنه مثل القاضي الذي قد كان سأله (كيف تحكم عليَّ وأنت سكران)؟ فهو الآن في سكرته بالسلطة تبدو له الأمور كلها (طشاش طشاش)!
قال حكيم: سكرة السلطة تجعل الوطن كله يترنح، بينما سكرة الخمر يترنح شاربها فقط.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي
