العداء اليوغندي للسودان هل تحسمه الدبلوماسية الناعمة

[JUSTIFY] شهدت العلاقات السودانية اليوغندية مواسم من المد والجذر منذ خمسينات القرن الماضي، وظهر العداء جلياً في ثمانينات القرن الماضي عندما اندلع التمرد في جنوب السودان بقيادة جون قرنق، حيث كانت يوغندا أول الدول التي احتضنت التمرد. فجون قرنق ويوري موسفيني كانا زملاء دراسة، وكلاهما يتمتع بفكر تحرري ماركسي.

يرى المراقبون أن السودان تحلى بالأخلاق والمبادئ السياسية الدولية، واعتمد على التعامل الدبلوماسي أكثر من التعامل بالمثل مع يوغندا، رغم أنها لعبت دوراً قذراً تجاهه، بدعمها للحركات المتمردة سواء في جنوب السودان أو دارفور، وكانت تخص فصيلي عبد الواحد ومناوي بالدعم أكثر من حركة العدل والمساواة، وأرجع محللون ذلك إلى التوجه العلماني المشترك بين تلك الحركات ونظام موسفيني.
قبل الفترة الانتقالية بعام وتحديداً في العام 2004 أصدرت يوغندا جوازات سفر إلى عدد من القيادات ووفرت معسكرات للتدريب العسكري والأمني والاستخباراتي للتنسيق مع الحركة الشعبية. وتسربت بعض المعلومات وقتها بأن يوغندا وفرت إمدادات عسكرية وسيارات جيب لصالح حركات التمرد عبر بحر الغزال إلى راجا ومنها إلى الحدود السودانية التشادية. وفي العام 2005 استقبلت يوغندا دفعة من المتمردين حركة تحرير السودان تشمل (17) عنصراً وأخرى تشمل (16) عنصراً من التمرد قامت بتدريبهم في معسكر جنجا، وواصلت دعمها لحركات التمرد حتى أثناء الفترة الانتقالية، حيث وصلت مجموعة من متمردي دارفور في العام 2008 إلى يوغندا وقامت بشراء عدد كبير من السيارات، وتم الاتفاق مع القيادة العامة للجيش اليوغندي بمنطقة بمبو على ترحيل الأسلحة والذخائر والزي العسكري المصدق به من قبل الجيش اليوغندي. وبعد عام استقبلت كمبالا (7) من متمردي دارفور بغرض التشاور بهدف فتح مكتب لحركة تحرير السودان. كما لعبت كمبالا دور الوسيط بين الولايات المتحدة وقيادات التمرد، وشهد العام 2009 اجتماعا مشتركا بين أحمد عبد الشافي وشخصيات أمريكية على رأسها الجنرال المتقاعد روبرت ماكبارلين، كما قامت بتخريج عدد من قادة التمرد من دارفور في ديسمبر من نفس العام برتبة ملازم ثاني وملازم أول بمركز تدريب بامبارارا، وتوالى تخريج المقاتلين من متمردي دارفور حيث تم تدريب عشرات العناصر بمدرسة سنقو للتدريب العسكري.
لم تغفل يوغندا الدعم الإعلامي للتمرد، فقامت بعقد دورة تدريبية في يوليو من العام 2009 لثمانية أفراد من راديو دبنقا في مجال التصوير والتصوير التلفزيوني والأخبار بغرض التعبئة الإعلامية ضد الحكومة.
في مطلع العام 2011 استقبلت يوغندا مناوي وسبعة من قيادات حركته ورتبت الاستخبارات العسكرية اليوغندية لهم إقامة في حي مينقا وحي انتندا، ليصل بعده عبد الواحد محمد نور ومعه عدد من القيادات وهم يحملون جوازات سفر يوغندية بأسماء مستعارة. وقد وعدت يوغندا القادة بتقديم مزيد من الدعم المادي واللوجستي، وكان هذا بالتزامن مع نقل (140) من جرحى حركة مناوي من جنوب دارفور إلى يوغندا بغرض تلقي العلاج.
وأظهرت بعض الوثائق في العام 2004 أن موسفيني قدم دعماً مادياً يقدر بـ(5) آلاف دولار إلى عبد الواحد محمد نور لتأسيس مكتب له بيوغندا، كما تكفلت وقتها بدفع إيجار طائرة لثلاث رحلات لنقل السلاح إلى جبل مرة في ذات العام.. وليس بعيداً عن الذاكرة تسليم يوغندا (10) عربات عسكرية وكميات من الذخائر لعبد الواحد محمد نور عبر طائرة شحن أنتنوف قادمة من إسرائيل.
مثلت يوغندا مقراً وملاذاً آمناً للحركات المتمردة سواء بتوفير قاعات الاجتماعات وترتيب اللقاءات بين قادة التمرد وخبراء إسرائيليين وأمريكيين، كما أنها رتبت للندوة السياسية لقطاع الشمال في يونيو 2011 والتي أقيمت بعنوان «دارفور والتحديات الراهنة».
انتهجت الحكومة السودانية نهجاً دبلوماسياً تجاه علاقتها مع يوغندا، وفي خضم الدعم المتواصل من يوغندا لحركات التمرد والتنسيق بينهم والمعارضة السياسية، تمسك السودان بتقديم الشكاوى دولياً بانتهاك يوغندا لمعاهدة المؤتمر الدولي لإقليم البحيرات حول الأمن والاستقرار في الإقليم، والتي تمنع الدول الأعضاء دعم أية مجموعات مسلحة تعمل ضد حكومة أية دولة عضو أو السماح لها بالوجود في أراضيها.
كما تقدم السودان بشكوى للمؤتمر الإقليمي لدول البحيرات العظمى وذلك بعد أن صنّف حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان بأنها حركات سالبة تهدد أمن الإقليم.. ودرج موسفيني لتغطية دعمه للمتمردين باتهام السودان بدعم جيش الرب، الأمر الذي يفسره الخبراء بأنه محاولة لذر الرماد في العيون وقلب الحقائق الماثلة، خاصة بعد تأكيدات وزارة الخارجية السودانية بأن السودان ليست له مصلحة في إيواء جيش الرب، ودعوتها في وقت سابق مفوضية الاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن الإفريقي إلى التحقق من وجود عناصر جيش الرب في أية منطقة من السودان. وأكدت الخارجية أنها تتعامل بكامل الشفافية مع قضية جيش الرب، وخير دليل على ذلك الاتفاق الموقع مع الحكومة اليوغندية في العام 2002 والذي سمحت ليوغندا بملاحقة جيش الرب داخل الأراضي السودانية.
ويعتقد الخبراء السياسيون أن يوغندا سعت بكل ما أوتيت من قوة لفصل جنوب السودان لتحقيق مصالحها الشخصية. وهذا ما جعلها تقبل بالمقترح الأمريكي بتكوين اوغندا لاتحاد كونفدرالي مع دولة جنوب السودان بعد الانفصال بدمج قبائل التداخل الحدودي، لكن حكومة الجنوب سرعان ما رفضت هذا العرض بحجة أن شعب الجنوب يريد أن يحقق لنفسه دولة خاصة به.
وبالنظر إلى الفترة الانتقالية ندرك أن يوغندا عملت جاهدة على انكفاء الحركة الشعبية جنوباً، وما أن تحقق الانفصال حتى وجدت السوق اليوغندية رواجاً في جنوب السودان، فضلاً عن الدور الذي لعبته في جنوب السودان مع بداية الصراع الداخلي، حيث قاتلت مع القوات الحكومية حتى وصل الأمر إلى درجة تعيين قائد للقوات اليوغندية في دولة الجنوب، ومنحه صلاحيات عسكرية ودبلوماسية، وهو الذي يرى المراقبون أنه مهدد للأمن القومي للمنطقة بأسرها. وكعادة موسفيني سرعان ما برر تدخله في جنوب السودان بأنه يدافع عن شرعية رئيس منتخب من قبل شعبه منذ العام 2010م.
وسبق أن وقعت يوغندا اتفاقية أمنية لحماية المنشآت الرئيسة في دولة الجنوب وتدريب الضباط الجنوبيين. وقد ذكر وزير الدفاع بجنوب السودان كيول ماينانج جوك أن جنوب السودان لديه مصلحة مشتركة مع يوغندا، وأن مثل هذه الاتفاقية ستساعد الضباط الجنوبيين خاصة في مجال التدريب. وقد أفادت التقارير أن الاتفاق الموقع بين الجانبين يخول إلى يوغندا شراء أسلحة نيابة عن دولة الجنوب.
أثار وجود القوات اليوغندية في جنوب السودان خلافاً بين أطراف الصراع في الجنوب، واعتبر زعيم المتمردين رياك مشار أن يوغندا أصبحت معوقاً رئيساً لعملية السلام، معترضاً على نشر قواتها في بلاده.
ويعتبر الخبراء أن الدعم اليوغندي لجنوب السودان يرجع إلى مطامع يوغندية في بترول الجنوب، إضافة إلى إيجاد سوق لصادر البضائع الأوغندية التي بلغت 60% من جملة صادر يوغندا.
ويرى الخبير الأمني عبد الرحمن فرح أن الوجود اليوغندي في جنوب السودان يهدد الأمن القومي السوداني وأمن المنطقة، خاصة وأن السودان يرتبط بمصالح كبيرة مع دولة الجنوب، كما أن هناك حدوداً مشتركة واتفاقيات ما زالت عالقة، بجانب أن هذا الوجود يتسبب في استفحال الأزمة الداخلية للجنوب واستدامة الصراع الداخلي. وتوقع أن يقود هذا التواجد اليوغندي في دولة جنوب السودان لتحويلها إلى مسرح لتصفية حسابات الدول الإقليمية.
وبعد انفصال جنوب السودان زالت العلاقات الجغرافية بين السودان ويوغندا، التي أصبحت جارة حدودية لدولة الجنوب، لكن رغم ذلك يرى الخبراء أن يوغندا لم تنس عداءها المبطن للسودان، وظهر ذلك جلياً من خلال تصريحات الرئيس اليوغندي موسفيني الأخيرة بأن السودان يحتفل بالحرب في جنوب السودان لنهب ثرواته.
وقد ذكر بخاري الأفندي مدير إدارة دول الجوار بالإنابة بالخارجية، أن السودان لا يحتاج إلى أدلة لتوضيح موقفه من استقرار الوضع في جنوب السودان، خاصة وأن السودان رسمياً وشعبياً قام باستقبال مواطني جنوب السودان اللاجئين، وقام بمعاملتهم أسوة بالمواطنين السودانيين، إضافة لحرص السودان على التوصل إلى تسوية سياسية تحقق السلام الشامل في الجنوب، وهو ما يدحض أية محاولات لزرع بذور الفتنة بين السودان وجنوب السودان.

رانيا الأمين : صحيفة الانتباهة

[/JUSTIFY]
Exit mobile version