د. غريب الدارين: مابين عبقرية النشيد وخيبة الواقع سيذهب الزبد جفاءا

وتحتفل البلاد بذكرى الاستقلال المجيد ! اليوم نرفع راية ….!! راية ماذا ؟
يا إخوتي ، ابكوا معي …فساقيتنا لسه مدورة
كنت أنتوي أن أطوي الأيام واستبق الحدث في ثورة باكية ، أوبكائية ثائرة على حالنا الذي لا يسرالصديق ، لكنه يُفرح العدو فهو مسرور جذلان ، نشوان ….
وشاءت مقادير الله أن أتأخر دون إرادة مني ، وبكيت حقيقة لا مجازا ، فلم يمضِ عام 2014 إلا بعد أن فجعني في عزيز ” رحمه الله ”
ولأي شيء نتغنى ! وندعو الدنيا لتغني لنا ؟!
راية استقلالنا ؟ أو حقا بقي لنا استقلال ؟ والأهم هو ماذا تحقق من ذلك الاستقلال ؟
كلام باهت …صورة غبشاء المعالم ، منطمسة الملامح …لا طعم …لا لون …ولا رائحة .
ويسطر التاريخ مولد شعبنا …شعب وُلِد لكنه ما تجاوز المهد ولا تعدى مرحلة الرضاع ولم يشب عن الطوق !
هل منكم من يقول إنه وُلِد عملاقا ؟ أقول له : لكنه تقازم وتضاءل وأخشى أن يأتي عليه يومٌ فيتلاشى من خارطة الأرض .
نتغنى للراية ؟ الراية الشامخة بتفاصيلها التي تحفظها الذاكرة ، حين رفعها الزعيم الأزهري ” رحمه الله ” مشرق الوجه منشرحا مستبشرا ! وستظل ذواكرنا تستدعيها ما دام في عروقنا حب وفخر ووفاء لهذا الوطن .
راية ارتفعت عاليا لكنها ما لبثت أن تقاذفتها أعاصير الطمع ، وزلزلتها عواصف الأثرة فحملتها الريح وهوت بها في مكان سحيق !
لقد حار بنا الدليل …من نحن ؟ ما هُويتنا ؟ أين تقودنا الأحداث ؟
هل من نهاية لما نشهده ونعايشه ؟ وما طبيعة تلك النهاية ؟
مانهاية هذا النزيف المستمر ؟ نزيف في كل مناحي حياتنا !
وأخطره هذا النزيف البشري …بلدٌ غدا طاردا لأبنائه ! يسوقهم جماعات ومثنى وفرادى إلى المطارات والموانيء في رحلة مجهولة الأمد ! حتى أصبحنا من أكثر شعوب الأرض هجرةً ….. كل زول ضاق بيهو المكان هجه سافر واغترب لمدن بعيدة تنوم وتصحا ….
بلدٌ لم يبقَ فيه إلامستضعف يقول : العين بصيرة واليد قصيرة …ما أقعدني إلا قلة الحيلة !
أو آخر مستقوٍ بمال أو سلطة فلاأظنه غبيا سيقدم على هجرة أوخروج من جنةٍ يتقلب في نعيمها إلى جحيم الغربة وويلاتها ! طبقيةٌ ما عرفناها من قبل وهاهي بين ظهرانينا لا نستطيع لها دفعا !
بلدٌ يسبح فوق ثروات لم تتوافر لأمة في الأرض ! ثروات تحسدنا الشعوب عليها ويعيش شعبها في مسغبة ، يتعاوره المرض والمتربة !! أراضٍ صالحة لا تحتاج استصلاحا …تحتاج أن يرمى فيها البذر فتخرج زرعا يخرج شطأه مخضرا زاهيا ! مياهٌ جارية فوق سطح الأرض لا تحتاج حفرا ولا استخراجا ودوننا شعوب الأرض تشقى وراءه بكل الحيل ! ثروات نادرة مدفونة بدأت تطفو على سطح الأرض من نفسها بقدرة الله كأنما تنادي ها أنا ذي أتساقط عليكم رطبا جنيا فخذوني وتمتعوا بي !
إنسانٌ نادر الجينات قدر الله أن يخلقه بتركيبة خاصة ، تتحدر في عروقه دماء من عناصر شتى ..دماء تتفوق على الدم الأزرق النبيل ، ضمنت له تميزا بين أجناس الدنيا أحسبه يفوق الجنس الآري ، ولا أستغرب إذا قدر للإنسان السوداني النبيل العظيم أن يسود الدنيا ، وقد بدأت الإرهاصات التي تؤدي لهذا المصير !
إذن فأين العلة ؟ وماالسبب ؟ تتنوع العلل وتتعدد الأسباب وتتوزع ما بين الرعية والراعي ، والموت واحد ! ولكنها علامات المخاض الكبير .
نعم قد نخر سوس الفساد فينا ، فسادٌ بدأه ولاة أمرنا ، لأنهم يشبهوننا ! وكما تكونوا يولَّى عليكم
ونحن نشبههم ! فالأمم على دين ملوكها .
نعم ! بلى ! تكالبت علينا الأمم تكالب الأكلة إلى قصعتها ، تكالبت علينا لأننا قد أصبنا بالوهن …وقذف الدنيا بحبها في قلوبنا ، فتكالبنا على الشهوات ولم يعد الموت واعظا لنا ، سرى فينا داء الأمم من حولنا …ونلنا ما كسبت أيادينا .
ضُيِّعت الأمانة فأُوسد الأمرلغير أهله ، وكأنه لم يعد لنا غير انتظار الساعة ….ساعةٌ آتية لا ريب فيها.
ومابين فرث المعارضة ودم النظام أوشك البلد أن يضيع….وكل طرفٍ يرمي باللوم على الطرف الآخر ! تنازعوا ففشلوا ..ولولم يتداركنا الله برحمته فستذهب ريحنا .
هم ونحن كلنا مُلام فيما وصلنا إليه ، ولاتنا ومعارضوهم ماراعوا فينا إلاً ولا ذمة ، تقطعوا أمرهم بينهم زبرا ، كل حزبٍ بما لديهم فرحون ، ونحن طأطأنا مستسلمين متخاذلين واثّاقلنا إلى الأرض ، وتعللنا بأننا مستضعفون فتفرقنا أيدي سبأ ، وتقطعت بنا السبل ، وتشتتنا في فجاج الأرض ، مرددين في مسكنةٍ ما خرجنا بملكنا ولكن ضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وأرض الله واسعة فهاجرنا فيها ، وقد أسرّ بعضنا في نفسه أو جهربأنه خروج دون نية في عودة …فمن يا ترى من البشر يخرج إلى العمار ثم يعود من بعده للخراب ؟!
فحتى متى ؟ ! حتى متى يا بلدي تغشاك الهموم ؟ متى تصفو سماؤك وتنجلي عنها الغيوم ؟
ويا قومي ، إلامَ الخلف بينكمو إلامَ ؟ وهذي الضجة الكبرى علامَ ؟!
وهانحن الآن بين العام الثامن والخمسين الذي لملم أيامه ورحل ولملم معها أشلاء آمالنا المبعثرة على أرصفة المطارات والموانيء ليدفنها في مقبرة الأبدية ، والعام التاسع والخمسين الذي حل ضيفا ووشرعت أيامه تباشرلملمة ما تبقى من أعمارنا لتطويها في نهايةٍ والله وحده يعلم كيف هي !
وتبقى الثقة في الله وبالله ، فكلها سنوات تمحيص ليذهب الزبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس وستأتي بإذنه تعالى أعوام يُغاث فيها الناس ويعصرون ! وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ! ولكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم …فهل من أمل في التغيير ؟ ويأتي استقلال حقيقي بمعطيات وهبات تجعلنا نرفع راية تنتظر منذ وقت طويل فوق السارية متكية .
د . غريب الدارين
Exit mobile version