هذا التلفزيون (المعسم) !!

في الوقت الذي تكثف فيه الفضائيات السودانية – دعك من الدولية – الترويج لبرامجها قبل البث بأيام، وأحيانا يستمر الترويج لأكثر من شهر، حتى يمله المشاهدون، كما يحدث في قناة (النيل الأزرق)، فإن من تبقوا من إداريين وفنيين في تلفزيون السودان يتعمدون (قتل) المواد، أو ربما ماتت فيهم هم، الهمة والرغبة في التجديد والابتكار.
بجهود لا علاقة لها بالتلفزيون، وبإصرار ومتابعة من السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية، الناطق باسم الرئاسة الأستاذ “محمد حاتم سليمان”، سجل الأستاذ “أحمد البلال الطيب” حلقة من برنامجه (في الواجهة) من “دبي” مع ثلاثة رؤساء تحرير رافقوا الرئيس، حول زيارته الأخيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة. التجهيزات الفنية من كاميرات.. وإضاءة.. ثم الإخراج، أنجزها المخرج السوداني المقيم بدبي “مبارك آل حاكم”.
ولم يكن مطلوباً من تلفزيون السودان سوى الترويج للبرنامج الذي ترتبط أهميته بأهمية زيارة رئاسية أثارت الجدل ولقيت متابعات ماراثونية من فضائيات عربية عديدة ظفر بعضها بحوار مع الرئيس وبعضها لم يظفر.
لم يروج التلفزيون للحلقة كما تروج (النيل الأزرق) لحفل تخريج طلاب بكلية أهلية بإحدى صالات الخرطوم يحييه الفنان “طلال الساتة” أو “إنصاف مدني” ، فقد صار الفنانون المادة الأهم في برنامج أي تخريج.. ويا سبحان الله!!
لم يروج التلفزيون لحلقة تضيف له ولا تخصم، ولم يحسن (مونتاج) الحلقة، بل شوهها، وابتسر إجابات ذات قيمة ومعنى. أهم ما قاله كاتب هذه السطور تم حذفه دون فهم ودراية بالمضمون.. وربما دون قصد، والأخيرة أسوأ. كما تم حذف أسئلة لمقدم البرنامج تزيد من حيوية المقابلة، فبدا مشهد الحوار وكأنه فرص (دائرية) بلا فواصل، وأحياناً بلا أسئلة !!
النقطة الوحيدة التي كنت أتوقع منتجتها أو حذفها، لم تحذف!! وهي المتعلقة بحديث الأستاذ “أحمد” العابر عن ممارسات مسيئة لبلادنا وسمعتها من فتيات سودانيات في “دبي”، فغير زاوية الحساسية، فإنها لم تكن ذات صلة بموضوع زيارة الرئيس.
وغير ذلك، أجرى رؤساء التحرير الذين رافقوا الرئيس، حواراً سارت به ركبان الوسائط الإعلامية و(قروبات) الدردشة، وتفرق دمه بين قبائل الإنترنت، ونشرته (سونا) وغيرها من الوكالات، قبل أن ينشره أصحابه!!
لكن تلفزيون السودان كان الوحيد الذي لم يعجبه الحوار، رغم أنه سجله بكاميرا رافقت الرئيس في معظم تفاصيل الرحلة!!
والمادتان – لو يفهم التلفزيون – أفضل كدعاية انتخابية للبشير أكثر من مخاطباته في مدني والقضارف التي بثها ذات التلفزيون بطريقته التقليدية القديمة !!
حالة (التعسيم) والجمود الاستثنائية التي يعاني منها القائمون على أمر (البرامج) في تلفزيون السودان على مر عهود الإدارات والمديرين، هي السبب الرئيسي في كل مشكلاته الإدارية وحتى المالية، فكيف يأتي المال لجهاز (معسم) وبكل هذا (الجفاف).. تلفزيون يقدم مواده كما يقدم مستشفى الخرطوم الطعام لمرضاه!!

Exit mobile version