حسن الظن الاسفيري

كنت استمع الى رائعة الراحل الشاعر (سليمان عبدالجليل ).. أغنية الفنان حمد الريح..لفت نظري هذا المقطع .. (يا سلام لو كان جفاك بي حسن نية) ..قلت في نفسي هل هناك نوع من الجفاء (حسن النية.) ؟؟؟….ان زمن حسن النية وحسن الظن الذي كان يعيشه شاعر الأغنية قد ولى الى غير رجعة ..ذلك زمن كان لساعي البريد سطوة ومكانة …الان ليست هناك مساحة لمشاعر واحساس الترقب وضربات القلب المتصاعدة ..فرسائل الايميل تصل في (غمضة عين) وقبل ان تقوم من مقامك …لا مجال للفرح الغامر الذي يعتري النفس عند رؤية الحبيب فجاة ..فالمواعيد متفق عليها والامور مرتبة وكل شئ عال العال …اغنية مثل (ان شا الله يلاقيني وبهواي اصارحه) لا محل لها من الاعراب ..لقاء الصدفة عنصر عفا عليه الزمن واكل الدهر منه وشرب.
الوسائط الاجتماعية الغت الكثير من الممارسات المتعارف عليها مثل ارسال الخطابات وانتظار البريد ..كذلك صادرت كما هائلا من المعاني في الاشعار والاغاني السودانية …مقطع مثل (خطاباتي البوديها ..تقول لا بتمشي لا حاجة) ..هذا ليس له معنى غير ان (الشبكة واقعة) …اما عبارة (وديت ليهو زول مرسال والمرسال مشى وما جاء ) فهذا يعني ان الطرف الاخر (قافل موبايله ) ..او انه قام بتغيير الشريحة ..الواتساب لا يدلك فقط على وصول الرسالة ولكن يدلك على انه قراها وتعمد تجاهلك بعدم الرد …وبذلك اتسعت مساحات لسوء الظن واختلف التعبير عن الغضب بدلا عن اللوم والزعل ..يكتفي احدهم باشهار سيف (البلوك ) او يهم بمغادرة القروب ..
لكن وفي المقابل ساهمت الوسائط الاجتماعية في ازدهار علم الكلام و(الحنك السنين ) فهاهي الأنباء تبشرنا بأن الحياة لازالت بخير ..والدهشة يمكنها ان تتواجد بعدة اوجه …تقول الاخبار ان هناك فتاة امريكية أرسلت مبلغ مليون ونصف المليون دولار الى رجل يبعد عنها الاف الاميال في أفريقيا …لم تلتقيه في حياتها ولكنها احبته عبر الفيس بوك …أقنعها بانه يعاني من الديون ولا يستطيع السفر للقائها في بلاد العم سام ..فما كان منها الا ان قامت بتحويل المبلغ كاملا لكي يسدد ديونه ويقوم بكافة الاجراءات للسفر ويذهب الى هناك… والسيرة مرقت عصر. شفتوا كيف ؟؟ مليون ونصف المليون دولار ( دورررارر ينطح دوررارر )… عالم بتفهم في ترجمة المشاعر الى أفعال تغير الواقع ..دي بالجد يقولوا عليها (زولة تفتح الروح ضلفتين) ..وتلزمنا على رفع القبعة تحية ..والجميل في الامر قولها انها (واااااثقة) من ان الرجل سياتي باسم الثغر يلوح بالاماني ..طي عينيه بريق وغموض ومعاني… واتمنى ان يكون عند حسن ظنها …ولكن الخوف كل الخوف ان تردد (اغالط نفسي في اصرار …واقول امكن انا الما جيت ).
استنادا على احداث القصة أعلاه ..وبعد هذا التغير الكبير في نهج الحياة وتدخل العالم الافتراضي في كل النواحي والمناحي ..اعتقد ان دعوات النساء لاولادهن ستصير كالاتي (ان شا الله ربنا يجعل ليك في كل تغريدة سلامة ..ويكفيك شر شات الندامة …ويوقف ليك في طريق الفيس بوك البنيات ..الفي ظنهن حسنات ..البحولن الدولارات والريالات ..ويخلوك تعيش في تبات ونبات )….وووصباحكم خير

د. ناهد قرناص

Exit mobile version