“ساندرا” و”فاطنة”

{ غطت أخبار امرأة تدعى “ساندرا” على أحداث كبيرة في بلادنا وأصبحت هي الحدث.. الذي تتناقله وسائط الإعلام وتغمض تلك الوسائط أعينها عن نتائج الانتخابات المثيرة.. فوزاً .. وسقوطاً.. وشكاوى.. وتقدم أحزاب.. وتواري أخرى.. وحصاد المعارضة من حملة أرحل.. كل تلك الأحداث والعناوين انصرفت عنها الصحافة.. لتنقب عن اختفاء امرأة اسمها “ساندرا” .. البعض قال إنها تعرضت لعملية اختطاف وهي في طريقها لدار حزب الأمة وكيان الأنصار في اليوم الموعود للاعتصام بالدار الرحبة وإفشال الانتخابات .. “ساندرا” تقول بعد عودتها إنها اعتقلت من قبل جهاز الأمن. .والجهاز ينفي جهراً وعلناً اعتقاله لتلك السيدة..ويعزز صدق نفي جهاز الأمن سلوكه الاحترافي في اعتقال الناس.. حيث يعمل الجهاز بطريقة شبه علنية.. يعتقل جهراً وينشر أسماء المعتقلين وله مكتب علاقات عامة للتواصل غير المباشر مع المعتقلين.. فكيف يجعل اعتقال هذه السيدة وحدها (اعتقال سري).. هل لأهميتها في الحياة السياسية أم لخطورة أنشطتها .. وقد اعتقل من قبلها .. زعيم الشيوعيين “نقد”.. وزعيم الأنصار “الصادق”.. وزعيم الإسلاميين “الترابي”.. ومدير جهاز الأمن نفسه “صلاح قوش”.. ولم يخف الجهاز اعتقال هؤلاء. وقد جاء في صحف الأمس أن جهاز الأمن قرر مقاضاة “ساندرا” بتهمة إشانة السمعة والكذب الضار.
{ قضية “ساندرا” هي نوع من الانصرافيات.. والترف والانشغال (بتوافه) الأمور.. امرأة .. اختفت .. أو أخفت نفسها.. أو قل (راحت) في شعاب مدينة الخرطوم، وعندما فاقت من غيبوبتها عادت.. هل (رواحت) “ساندرا” تستحق هذا (العواء) والحبر المسكوب.. والأسافير التي تفيض بالأخبار الضاربة والمضروبة.. و”ساندرا” هي امرأة سودانية والدها.. الدكتور “فاروق كدودة” ووالدتها الدكتورة “أسماء السني” .. “ساندرا” اسمها أعجمي.. تركب سيارة في الخرطوم.. وتشرب ماءً قراحاً نظيفاً وصحياً وتأكل لحم الضأن والسمك.. وربما (أم فتفت) وتشرب عصائر الليمون.. وتذهب إلى الكوافير .. وتمارس الرياضة وتشتري من البوتيك كريم الشعر وكريم البشرة.. وتركب الطائرات.. والقاطرات .. وتطوف الدنيا.. وتقدم لها حكومة بلادها خدمات الكهرباء.. والماء.. والشوارع النظيفة ويحميها من شر اللصوص جنود الشرطة.. حتى تنام غريرة العين.. و”ساندرا” تهتم الصحافة بصورتها .. وتسريحة شعرها .. وأطفالها .. وحضورها .. وغيابها.. واسم زوجها.. وأشياء كثيرة غير مفيدة.. ولكن “فاطنة حماد” لا تجد هناك في بحر العرب جرعة ماء نظيفة ولا تعرف شيئاً عن (الواتساب).. وفشلت كل شركات الاتصالات من الوصول حيث تقيم “فاطنة حماد”.. والدولة لا تطعمها الخبز. .ولا تستورد من أجلها غاز الطباخة ولا تكتب “فاطنة حماد” اسمها على الأوراق.. لأنها لم تصل إلى بحر العرب.. وإذا جئت زائراً إلى مضارب العرب الرحل حيث تقيم “فاطنة حماد” واتصلت بالهاتف الذي تحمله بالحكومة يأتيك الرد (هذا المشترك) لا يمكن الوصول إليه حالياً.. “فاطنة حماد” أنجبت ثلاثة أطفال عند ولادتها لأول مرة، حملوها على ظهر حصان لمدة ثلاثة أيام حتى بلغوا بها فريقاً للعرب به (داية) حبل.. وضعت مولودها وعادت.. المولود لم يحظ بتطعيم ضد الشلل ولم تحقن “فاطنة” (بالفلاجيل).. أنجبت طفلها الثاني تحت ظلال شجرة عرديب.. “فاطنة” لم تتذوق (الهوت دوق).. ولم تسافر بالقطار إلى دار صباح . .وهي تجيد ضرب البندقية.. في أحد الأيام خرجت عند (المغيرب) من (فريقها).. هطلت الأمطار.. وتاهت في الغابة.. أي (راحت) واختبأت بين الأشجار والحشائش خوفاً من الضباع والأسود قضت ليلتها بعيداً عن أسرتها .. وخرج الشباب في اليوم التالي بحثاً عنها .. ووجودها.. تائهة في الغابات.. مثلها وجدت “ساندرا”.. بين غابات الأسمنت في الخرطوم.. لكن “فاطنة” لا يسأل عنها أحد.. ولا يقيم (لروحتها) قائمة .. تغيب وتعود.. ولكن “ساندرا” (تروح) وتعود.. وتجد من يروج لها ويجعل منها بطلة غير بطولة.. ونجمة في عز الليل.. “فاطنة” سودانية بلا حقوق. .و”ساندرا” سودانية لها كل الحقوق حتى هي تختفي وتغيب تجد من يقرع لها الطبول و”فاطنة” لا بواكي عليها.

Exit mobile version