رحيل الأقمار

كنت أحب التسفار والترحال.. كونه يفتح آفاقا جديدة للمعرفة ونوافذ مختلفة لمشاهد جاذبة ومدهشة.. لكني أصبحت أكره السفر كلما حزمت حقائبك ويممت وجهك شطر مطارنا اليتيم لدواعي العمل أو غيرها وكلها أسباب لا تقنع قلبي الوجل.!

أكره جواز سفرك حين تلوح به منتشيا بانتصار حصولك على تأشيرة الدخول أو الخروج.. فكيف تنتشي بخروجك من تفاصيل أيامي ودخولك في دائرة الغياب.. وكيف تفرح لأن طائرة ما ستحلق بك خارج حدود اهتمامي وشغفي؟.. إنها الحالة الوحيدة التي تصبح فيها (سودانير) صديقتي الأثيرة.. فاحتمالات تلكؤها في نقلك تظل قائمة.. وتتيح لي المزيد من الوقت معك عندما تتأخر عن موقع إقلاعها المفروض.

أكره سفرك.. فلا تحدثني عن الغنائم والمكاسب والعملة.. ولا تحدثني عن الهدايا والعطايا والعيش الرغيد.. فلا يطيب عيش ما دون وجودك، ولا أستعيض عن رفقتك بكل كنوز الدنيا.. فالحياة تظل قصيرة وإن طالت ولا أرغب في أن أمضيها بعيدا عن مجالك وحدود رجولتك.

رجاءً…لا تسافر.. ولا تتركني لهواجسي وأشواقي.. ولا تفسح مجالا للضيق كي يناوش أيامي.. ولا تجعلني رفيقة للسأم والملل والفراغ.. فأنا بدونك أظل عاطلة عن العمل، أعاني من خواء عظيم.. وأظل أجوب ردهات المنزل دون هدف وبعقل شارد وقد فقدت رغبتي في معاقرة الناس ومنادمة الحياة بكل تفاصيلها.

فلتظل بقربي أو ترفقني في جوازك.. فالليل دونك موحش.. تخبو أقماره برحيلك.. وتستحيل نجومه لحجارة صماء بضوء باهت.. وكل شيء يفقد ألقه في غيابك.. حتى حروفي الرشيقة تترهل برحيلك وتتقاعس عن عباراتي، فاقلع عن الكتابة حتى يعلن المذيع الداخلي لصالة الوصول هبوط طائرتك اللعينة على مدرج لهفتي وأنا أترقبك عند بوابات الإياب.

تلويح:

بس تاني.. لما بتسيبني وتسافر.. خت في بالك.. إنو دنياي في مدارك.!!

Exit mobile version