(أسكتي انتي يا بتاعة التركين المنتهي الصلاحية من زمن الفراعنة)

دعيت لتناول وجبة فطور بالتركين …والتركين حالة خاصة نمر بها عندما تجتاحنا موجة من الحنين وبعض من الشوق والقليل من الدبرسة …عندما كنت اتحدث عن التركين ..فيسألني احدهم ماهو التركين ؟ ومما يتكون ؟ كنت احتار في كيفية وصفه ..فكما قلت هو حالة تعترينا وليس مجرد (اكلة) ..ولكن الوصف التجريدي زودني به الأستاذ الكبير انس العاقب عندما قال ان التركين هو عبارة عن (شوربة الفسيخ النئ )…فهززت راسئ بان نعم.. وتلقائيا اعتمدت هذا التعريف للأجيال القادمة …عندما قلت لأبنائي أنني ذاهبة لأكل التركين …قال ابني الاوسط بكل هدؤه الذي يتميز به (دي مش الاكلة الريحتها ما كويسة ديك ؟)…فقلت في نفسي سبحان الله …عين الرضا عن كل عيب كليلة …فحبي للتركين يجعلني لا أغض الطرف عن رائحته فقط …بل أستمتع بشمها أيضا ..والانف تعشق قبل الأذن والعين أحيانا كثيرة…التركين كما كثير من الاكلات التي تتميز بها المجتمعات ..فترى كل اناس يلتفون حول اكلة محددة تميز قبيلتهم او مدينتهم يلتهمونها بكل شهية ويقبلون عليها بشغف لا تفسير له غير أن المعدة تسكن قريبا من القلب فتستمد عشقها من نبضه …فالذي تحبه (تبلع ليهو الظلط)…كثيرا ما اناكف أصدقائي من الوسط حول اكلة (الويكاب) ..والتي تعتمد على أضافة نوع خاص من الرماد الى اللبن …ياكلونها مع العصيدة الحارة ..ويتنادون لاكلها كنداء يوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم….فاقول لهم (عليكم الله زول بكامل قواه العقلية يخلي الخضروات الطازجة واللحوم بانواعها ويمشي ياكل الرماد؟)…فيجيبوني دائما (أسكتي انتي يا بتاعة التركين المنتهي الصلاحية من زمن الفراعنة )….التركين… الويكاب…الكول…وكثير من الاكلات الشعبية الغائرة في القدم …توارثناها كما هي …اختلفت الحياة وتطورت في جميع المناحي ولا زالت اكلاتنا الشعبية لم تراوح محطتها الاولى ..عندما كان عدم الأستقرار هو الأصل ..فالتجفيف للبصل والبامية (الويكة ) واللحم المجفف هو الأساس لاكلات الوسط مثل التقلية والنعيمية والويكاب ..لو تمعنا فيها لوجدنا انها تحمل كل تفاصيل زمن الترحال ..عندما كانت القبائل تنتقل من مكان لأخر بحثا عن مكان أفضل لرعي حيواناتها ونجد ان الالبان هي العامل المشترك لكل الأكلات فاللبن هو المتوفر من حيوانات الرعي …استقرت هذه القبائل وتمدنت وادخلت ابناءها المدارس ..ولكن الاكل لازال كما هو يحمل عبق التاريخ ويمثل الحنين الى الماضي البعيد … وكذلك التمليح لحفظ الأسماك في الشمال وتركها فترات طويلة حتى تفقد معالمها يعود الى زمن كان النوبيون يسافرون الى مصر والى أعماق السودان وكذلك دول الخليج …فيحملون هذه الأسماك المملحة كالفسيخ وشوربة الفسيخ (التركين)…وعند اكلها لا يستطعمون الطعم المباشر فقط ولكنهم يتذوقون أيضا طعم وطن تركوه خلفهم واهل هم عنهم بعيدون …ورغم توفر الأسماك الطازجة بانواعها ..لا زالت للتركين خصوصيته و ألقه الذي يتزايد عبر السنين ..خاصة أذا وجد من يجيد طبخه…متلازمة اكل التركين تجعل كل متناول له يحذر القرب من شرب الماء مباشرة بعد الاكل والا (سيشرب ما يروى ) ..فالشاي هو أفضل من يعقب التركين ..كذلك الرجاء عدم الارتباط بأي مواعيد مهمة ..فرائحة التركين لا تزول بزوال المؤثر ..ولا ينفع معها عطر ولا بارفان …وكذلك الصحبة الحلوة هي من اساسيات لمة التركين فلا تصحبن من يتثاقل او يتنطع أو ينظر …فتشتيت الذهن غير وارد في هذه الحالة …واخيرا وليس اخرا نحذر تحذيرا شديدا من التعامل مع اكل التركين في خلال اليوم الموعود فقبل الاكل هو متلهف لا يسمع شيئا من قولك وبعد الاكل هو في حالة من التوهان والخدر اللذيذ فلا تخرب المزاج الجميل رجاء….ووومعزومين تركين يا جماعة الجمعة الجاية ..المكان يحدد لاحقا ….وووصباحكم خير

د. ناهد قرناص

Exit mobile version