الرئيس البشير..ملامح قائد أفريقي تتفتق مع بشريات الخريف

بالأمس القريب انفض سامر العرب والأفارقة بعد أن توافدوا وشهدوا بأنفسهم على تنصيب الرئيس البشير رئيساً للدولة السودانية لفترة رئاسية جديدة لم ترهقها (25) سنة مضت. ولم يكن تنصيب البشير هذه المرة عادياً أو (بروتكولياً) مثل سائر احتفالات رؤساء العالم بيوم تنصيبهم رسمياً، لكن جاء تنصيب البشير هذه المرة وشعب السودان كله يتطلع إلى (تغيير) حقيقي يضع الدولة السودانية على أعتاب الريادة والنهضة والاستقرار، طالما أنه – أي شعب السودان- ظل ينتظر كلاهما الحكومة والمعارضة عساهما ينجحان في صياغة روشتة الخروج من نفق الأزمات المتراكمة. بيد أن أنظار الشعب السوداني الآن تتجه صوب البشير والذي يقفز على مسرح السياسة الإقليمية والدولية كقائد استثنائي من واقع أنه الرئيس العربي الأفريقي الوحيد الذي ظل يتمرد على الوصايا الدولية، وفي ذات الأثناء يشترط على معارضيه في الداخل أن تكون سكة الحوار الوطني وصناديق الاقتراع هي السبيل الوحيد لتداول السلطة.
الحكومة الجديدة
قالها بوضوح يوم تنصيبه وعلى مرآى ومسامع كل رؤساء العالم وممثليهم، وكذلك على مرآى ومسامع عضوية حزبه والأحزاب الأخرى، بأنه هو – أي البشير- وحكومته (خُدام) لهذا الشعب، وأنه رئيس لكل الشعب وليس للذين انتخبوه فقط.
ويرى مراقبون أن خطاب البشير في يوم التنصيب يختلف في كل مستوياته عن الخطابات السابقة، بحسبان أن البشير بات أكثر رهاناً على تجربة الحكومة القادمة لتكون على قدر تطلعات الشعب السوداني وأحلامه بالتغيير بعدما بينت الصورة (العربية) الراهنة بأن كل الحكومات التي أفرزتها ثورات الربيع العربي أدخلت شعوبها في متاهات عريضة، وأصابت الحالمين بالتغيير بالإحباط.
كما أن الأنظمة الشمولية التي أطاحت بها ثورات الربيع العربي لم تكن خياراً مرضياً لقطاعات كبيرة من شعوب المنطقة العربية.
ويدلل المراقبون بأن تأخير إعلان التشكيل الحكومي الجديد مرده إلى إمساك الرئيس البشير بملف الحكومة القادمة ومراقبته عن كثب دون تركه لمؤسسات حزبه فقط، ومما يؤكد بأن الرئيس البشير يمضي بخطوات واثقة في إتجاه (قومية) الحكومة التي ينبغي أن تمثل أهل السودان وتخدم شعبه دون موالاة حزبية أو قبلية أو جهوية.
محاربة الفساد
في أول ظهور رسمي للرئيس البشير بعد أن تم انتخابه رئيساً لفترة حكومية جديدة، أعلنها داوية لاتجاه حكومته في محاربة الفساد والقضاء عليه عبر هيئة شفافية تتبع في صلاحياتها للرئيس مباشرةً.
وهنا علق كثير من الخبراء الاقتصاديين بأن إعلان البشير بعد التنصيب عن محاربة الفساد يعتبر أمراً جاداً وصادقاً وبعيداً عن كل أشكال الدعاية الحزبية، ولأن البشير نفسه أدرك جلياً أن الفساد هو أكبر المهددات التي يواجهها الاقتصاد السوداني، وأن محاربته تتطلب استقلالية كبرى في القرارات التابعة لمؤسسة الرئاسة. وربما في السابق كان استشراء الفساد نفسه يرتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة تكوينات الدولة كلما لفتها حبال الترضيات والموازنات الحزبية والجهوية، وكلما غرقت الدولة في بحور المحاصصة والاستباقات نحو التمثيل السياسي والقبلي في السلطة.
وبالطبع مهما كان أداء حكومة الرئيس البشير تجاه شعبه ومهما كانت حكومته تهتم باقتصادياته ومعيشته وخدماته وأمنه وأمانه، إلا أن وجود لشبهة فساد واحدة في مؤسسات الدولة، بالطبع فإن ذلك يساهم في تلويث سمعة الدولة ويجعلها تمضي في مضمار آخر غير مضمار رضاء الشعب عنها أو عن قياداتها.
ولهذا وصف كثير من المحللين السياسيين إعلان البشير عن محاربة الفساد بأنه بمثابة إشهار لسيف الحق والعدالة في وجوه المفسدين أياً كانت مكانتهم أو كانت انتماءاتهم وأوزانهم.
اختراق عربي
عندما دانت ساعة الاقتراب بصدق نحو المحيط العربي، لم يتردد البشير عن إعلان دعمه ومساندته ومشاركته في عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية لضرب الحوثيين في اليمن، ولم ينتظر البشير أن تطلق السعودية سراح (أموالها) للبنوك السودانية، كما أنه لم ينتظر أن ينال (الضوء الأخضر) من إيران التي تؤكد على مكانة السودان الخاصة بالنسبة لها.
على الفور أعلن البشير بأن أمن الأراضي المقدسة هو (خط أحمر) بالنسبة لكل شعب السودان، وبالطبع صفق شعب السودان لخطوة البشير طالما أنها تتصل بقضية أمن السعودية التي تمثل أراضيها حالة وجدانية وروحية مقدسة بالنسبة لجموع شعب السودان.
سرعان ما تغيرت مواقف الدول العربية تجاه السودان، وعلى نحو متصاعد تقدم السودان خطوات واسعة نحو محيطه العربي، للدرجة التي جعلت كثير من المهاجرين السودانيين في السعودية والخليج يفاخرون بقدرات الدولة السودانية في مجال السلاح الجوي، وتناقلت عدد من الوسائط الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي مشهد طيار سوداني بارع يهبط ويقلع بطائرة حربية سودانية قبل الانطلاق للمشاركة في عاصفة الحزم، ومما أدهش كل شعوب المنطقة العربية وأجبرهم على تداول المقطع المصور تأكيداً على مهارة الطيران الحربي السوداني.
قرار مشاركة السودان في عاصفة الحزم منح البشير وسام التميز العربي والأفريقي، لأنه هو الرئيس العربي الوحيد الذي أعلن المشاركة رغم كل الحروب والصراعات الداخلية التي تواجهها دولته.
موقف البشير من بشار الأسد
في لقاء سابق مع جريدة (الراية القطرية) ولدى سؤاله عن الحالة السورية تحديدا كيف ترى ما يشاهد على الفضائيات من قتل وترويع للشعب السوري أنتم كصناع قرار في العالم العربي كيف تشاهدون ما يجري من أحداث؟

أجاب الرئيس البشير: ما يجري في سوريا حاجة مؤسفة والأوضاع وصلت مرحلة مؤلمة حتى لو كانت أرقام الضحايا التي يجري الإعلان عنها مبالغا فيها لكن القتل يجري بصورة يومية وهذا أمر غير مقبول. في السودان عام 1964 عندما ثار الشعب في السودان قتل شخص في التظاهرات فتغيرت الحكومة فما بالك بالعشرات والمئات من القتلى يوميا ..؟؟؟ لقد كنا حريصين على السلام في سوريا وحريصين أن تتخذ إجراءات لوقف هذه الأحداث ومنعها فبعد أسبوع من بداية الأحداث أرسلت وزير العدل للأخ الرئيس بشار وحمل معه مقترحات محددة جدا حول ضرورة تعديل الدستور وإلغاء حالة الطوارئ وشرحنا له تجربتنا في قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وهو قطعا أكد أن مقترحاتنا هي الحل ولكن للأسف لم ينفذها سريعا لأن السلطة في سوريا في يد حزب البعث الذي كان يعتبر نفسه أنه القائد للمجتمع والموجه الروحي للشعب السوري، بكل أسف الأمور وصلت إلى مرحلة خطيرة فما يجري في سوريا قتال حقيقي وهو قتال غير متكافئ فالجيش السوري جيش مجهز بالأسلحة والعتاد القوي لكن قوى المعارضة وإن كانت تمتلك عنصراً مسلحاً لكنها أسلحة شخصية وضعيفة.
الحرب في ليبيا
من قبل اعلنت الخرطوم اعترافها بالحكومة الوطنية الليبية في طبرق، وقال الرئيس البشير خلال لقاء خاص مع (سكاي نيوز عربية)، ان بلاده تسعى من خلال علاقتها بالجماعات في طرابلس، لايجاد وفاق ليبي ليبي بهدف ايقاف الحرب.
وكان تصريح البشير هذا بمثابة وضع النقاط على الحروف في ظل الاتهامات الموجهة لحكومته بأنها تدعم قوات فجر ليبيا لزعزعة الأمن القومي في ليبيا وحتى لا تتمكن قوات القائد حفتر من السيطرة على ليبيا ومن ثم محاصرة المد الإسلامي السياسي في ليبيا.
إلا أن تصريح البشير أكد أن الدولة السودانية لا تنساق خلف طموحات حزبية أو فكرية محدودة بقدر ما هي تتحرك الآن في فضاءات واسعة تراعي فيها مصلحة الاستقرار السياسي في كل المنطقة والتأكيد على خيار الديمقراطية وإرادة الشعوب.
الموقف من داعش
قال الرئيس عمر البشير إن “شبابا صادقين جدا تأثروا بالفكر الداعشى وآمنوا به”. وأضاف البشير: “قناعتنا أن هناك اختراقا لتنظيم داعش وأن أحد أهداف الاختراق هو: الإساءة إلى الإسلام”. وفى مقابلة تلفزيونية استنكر الرئيس البشير بشدة حرق الأسرى من قبل داعش قائلا: “ما يقومون به ويصورونه ويبثونه يتنافى مع أبسط قواعد الإسلام”. وفي تلك المقابلة التلفزيونية تفرد الرئيس بالبشير بالتطرق إلى زوايا جديدة بخصوص اختراق تنظيم داعش قائلا: “ما عندنا شك أن هذه التنظيمات مخترقة من جهات معادية للإسلام، وهى حملة لتشويه صورة الإسلام متمثلة فى بعض الرسومات الكاريكاتورية فى المواقع الغربية، وما يحدث من داعش ليس بعيدا عن هذه الحملة”.
وبهذا الموقف أغلق البشير الباب أمام كل التهكنات والتأويلات التي ظلت تطارد نظام حكمه في السودان وتتهمه بتمويل وتشجيع الإرهاب.
شبه إجماع عربي وأفريقي
بالطبع واجه البشير إدعاءات المحكمة الجنائية بقوة وشجاعة وكاشفاً عن أجنداتها السياسية للنيل من القادة الأفارقة، ومما أجبر كثير من دول أفريقيا أن تتخذ موقفاً مغايراً من المحكمة الجنائية وترفض الاعتراف بها، للدرجة التي جعلت الآن المحكمة الجنائية تواجه مطباً غليظاً من فقدانها ثقة كل شعوب العالم.
تنصيب الرئيس البشير ومن خلال قراءة دفاتر الحضور العربي والأفريقي وكل المنظمات الإقليمية والعربية، يلاحظ أن البشير في دورته الجديدة بات هناك شبه إجماع عربي وأفريقي عليه، خصوصاً وأن البشير يتمسك الآن بخيار الحوار الوطني وأعلن عن العفو عن حملة السلاح في حال قبولهم بمبدأ الحوار الوطني.
الدولة المصرية بكل ثقلها التاريخي والسياسي في المنطقة العربية والأفريقية، وبكل التقاطعات الراهنة والموقف من تنظيم الإخوان المسلمين، هاهي الآن وبقيادة عبدالفتاح السيسي تقف إلى جانب الرئيس البشير ومما يؤكد أن البشير بات رئيساً قومياً وليس رئيساً لحزب المؤتمر الوطني الجناح السياسي للحركة الإسلامية السودانية.
وموقف الجامعة العربية من انتخاب الرئيس البشير يؤكد بأن هناك شبه إجماع كلي من قبل الدول العربية على شرعية الرئيس البشير والاعتراف بأنه رئيس بمواصفات خاصة.
الدول الأفريقية غالبيتها تساند الرئيس البشير، فضلاً عن الاتحاد الافريقي الذي اعترف بشرعية البشير ويتوقع أن يمضي البشير في اتجاه إحلال السلام وجمع أطياف المعارضة السودانية.

الخرطوم: عبدالناصر الحاج- السياسي

Exit mobile version