طائرة الرئيس

-1-
لا أعتقد أن الجهات التي قدمت المشورة لرئيس الجمهورية بتلبية دعوة الاتحاد الإفريقي للاجتماع بجوهانسبرغ، لم تضع في تقديرها احتمال ما حدث من تحركات على المسارين القانوني والإعلامي بجنوب إفريقيا.
ليست هي المرة الأولى التي يُلَبّي فيها الرئيس البشير دعوةً رسميةً لدولة موقعة على ميثاق روما لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية.
فعل ذلك حينما سافر لنجيريا ولتشاد وجيبوتي وأخيراً لجنوب إفريقيا، وسبق للرئيس البشير السفر إلى دول بعيدة عن حدود السودان مثل الصين وتركيا.
-2-
من الواضح أن الرئيس البشير كان يريد في كل تلك الزيارات إلحاق هزيمة معنوية وفعلية بالمحكمة وبمناصريها وتأكيد عدم جدوى قراراتها وبالتالي عدم جدوى وجودها في الأساس.
استطاع الرئيس عمر البشير بتحركاته وتصريحاته أن يهز صورة المحكمة الجنائية وأن يُضعِف من اعتبارها القانوني، والأهم من ذلك أنه استطاع أن يُجَرِّئ الكثير من الدول عليها.
التفسير الوحيد لشراسة الحملة الأخيرة بجوهانسبرغ ضد الرئيس عمر البشير على البعدين القانوني والإعلامي أنها حملة يريد من خلالها مناصرو الجنائية اقتناص الفرصة الأخيرة لإنقاذ سمعة المحكمة ورد الاعتبار لها عَقِبَ ما لحق بها من أذى وضرر في الفترة الأخيرة.
دخول الرئيس البشير إلى دولة جنوب إفريقيا العضو في المحكمة الجنائية وخروجه منها عائداً إلى السودان بمثابة المسمار الأخير في نعش المحكمة الجنائية.
-3-
ربما كان الهدف الثاني لمناصري الجنائية إذا لم يقم القضاء الجنوب إفريقي بتوقيف الرئيس البشير هو أن يضطر الرئيس تحت الضغط الإعلامي لمغادرة جنوب إفريقيا قبل انتهاء المؤتمر ويظنون في ذلك نصراً لهم!
الثقة التي تحدَّث بها رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما ابن إقليم (كوازولو ناتال) وعبارات الحفاوة التي قابل بها الرئيس البشير كانت تؤكد أن كل شيء مرتب له وأن زوما لن يسمح بأن يسجل في تاريخه أنه غدر بضيفه لمصلحة محكمة ذات (أجندة بيضاء)!
الرؤساء الأفارقة في أغلبهم يرون في الجنائية الدولية محكمة للتفرقة العنصرية بين الدول؛ فهي لم تقل كلمة واحدة في ما أحدثته جيوش جورج بوش الابن في العراق ولا تزال المأساة مستمرة إلى اليوم، وسحبت يدها جذعة حينما أرادت التدخل بلطف في إسرائيل فردت الأخيرة عليها بصلف وازدراء!
-4-
يجهل الكثيرون أن الدستور الجنوب إفريقي يمنح رئيس البلاد حق التدخل لإيقاف الإجراءات القانونية إذا تعارضت مع المصلحة العليا للبلاد، ولا توجد مصلحة أكبر لدولة جنوب إفريقيا من أن تنجو بسمعتها من تهمة الغدر بضيوفها من الرؤساء، خاصة إذا كان الرئيس ينتمي لدولة منحت رمزهم التاريخي المناضل نيلسون ما نديلا جواز سفر في الوقت الذي كانت تصنفه الدول الغربية الراعية للجنائية كإرهابي متوحش!
العدالة الانتقائية التي تريد أن تحققها المحكمة الجنائية أثارت عليها استياء الرأي العام الإفريقي وغضب القادة الأفارقة بل قرارت المحكمة الجنائية أسهمت في زيادة شعبية الرئيس عمر البشير في النطاق الوطني والإقليمي.
ومن قبل قال يان برونك المبعوث السابق للأمم المتحدة بالسودان لصحيفة «التلغراف» الهولندية: (لن تتم محاكمة الرئيس السوداني في لاهاي، لكونه يعيش آمناً في وطنه. وهو قليل السفر للخارج، وحتى إذا قرر الرئيس السفر لدولة إفريقية فلا خوف عليه.. فكل دول الاتحاد الإفريقي تقف من خلفه. كما وأن صدور أمر القبض في حق الرئيس السوداني قوَّى من موقفه داخلياً وإفريقياً).
ها قد غادر الرئيس البشير جنوب أفريقيا على البساط الأحمر وترك السيدة فاتو بنسودا مدعية لاهاي لا تجد مكان للاختباء من الحرج سوى تحت أظافرها!

Exit mobile version