يا حليلك يا بلدنا

ﻻ أعرف كم بلغت كُلفة تشييد جسر الحلفاية كأكبر جسر بطول البلاد وعرضها، بطبيعة الحال إن كلفته فاقت الخمسين مليون دوﻻر، أي ما يُقارب الخمسمائة مليار جنيه سوداني، ولكن ليس هذا هو الخبر. فالخبر الذي يستحق التوقف طويلاً، هو ما قاله لنا يوم افتتاح هذا الجسر أحد أهل الشأن، بأن كلفة تعويضات الأهالي مقابل الأرض التي بُنىّ عليها الجسر أكبر من كلفة بنائه، بمعنى أن الحكومة إذا أرادت أن تصنع منشأة عامة لفائدة المواطن فعليها أن تدفع مرتين، مرة لصاحب الأرض، وأخرى متمثلة في تكلفة المنشأة نفسها، ولا ذنب لأهلنا في حلفاية الملوك، سوى أن هذا أصبح عرفا أهلياً وحكومياً جارياً في كل (بلاد النيل والشمس والصحراء)، فما حدث في الحلفايا حدث في جسور الجريفات، المنشية، الدباسين، وسوبا ويحدث في أرقى المدن السودانية.
* والأزمة ليست حكراً على صناعة الجسور، فواحدة من أعظم معوقات الاستثمار في السودان أن الدولة ﻻ تمتلك الأرض، وتبدو المفارقة غريبة جداً في بلدٍ هو الأكبر مساحة في المنطقة، والأقل استثماراً لهذه الأرض البور البلقع.
* لم تكن الأحداث الجارية بدعاً من بقية ما جرى ويجري بسبب التعويضات مرة، ومرات بسبب الاستثمارات الوافدة، وربما في هذا السياق قد سمعتم بثقافة (العكاكيز) التي (طفشت) الكثير من المستثمرين!
* وتكمن هذه الأزمة في ضعف الإحساس بالوطن من قبل المستهدفين بهذه الخدمات. وربما في بعض الأحيان تجد العذر لبعض ملاك الأرض، وهو لعمري ﻻ يوجد. لكنك لن تجد عذراً لمواطن ليس لديه أدنى علاقة بالأرض المتنازع عليها، ثم تجده يشجع الاحتكالك والصدام مع الحكومة بحجة أنها أخذت أرض الآخرين بغير وجه حق !!
* وبطبيعة الحال تصبح هذه الأزمة من الأزمات المجتمعية والحكومية المتوارثة، والتي تشكل عبئاً ثقيلاً على بناء الدولة السودانية ومستقبل أجيالها، وﻻ أتصور أننا كنُخب وحكومات بذلنا ما يكفي من عصف ذهني لوضع حلول استراتيجية لهذه المعضلة التي تعيق تنمية البلاد وتقعد بها.
*وللذين يقرأون بتطرف وأجندة مسبقة، نحن لم نقل بعدم تعويض المواطن صاحب الأرض مطلقاً، ولكننا نقول إن للدولة، وأكرر مصطلح الدولة أن تبقى والأنظمة تتعاقب، حق أن تصادر أي أرض للمصلحة العامة الحقيقية، مقابل تعويض معقول ومنصوص على معقوليته في الدستور والقوانين التي تنظم هذه الحقوق، دون مساومة ومزايدة تكون في خاتمة المطاف خصماً على الوطن والمواطنين.
* والأسوأ من ذلك كله، هو أن بعض الكوادر الفكرية التى لم تتمكن من دخول المسرح من أيٍ من باب، تفتأ تبحث عن موطء قدم من خلال هذه الأحداث، لكن تطوير الأحداث المطلبية على هذا النحو ليس من مصلحة المعنيين، وإن صناعة انتفاضة عصيِّة بالمتاجرة بسقوط الضحاياهو السقوط الأسوأ. وتصبحون على خير.

Exit mobile version