فاصل ونواصل

على غرار مقدمى البرامج التلفزيونية والإذاعية.. تعمد المحليات استخدام العبارة الأشهر في تاريخ البرامج التلفزيونية.. بكل ما باتت عليها من رتابة.. فتطارد بائعات الشاي، وباعة الأرصفة، وعمال (الدرداقات) وغيرهم من الفئات المهدودة ذات الدخل المحدود بدعوى عدم شرعية ممارسة هذه المهن الهامشية كونهم لا يملكون تراخيص مزاولة.. أو يملكونها بصفة مؤقته.. في كل الأحوال تجد (الكشات) ذرائع قانونية لمطاردتهم والقبض عليهم ومصادرة مقتنياتهم في مشهد يدعو للاستياء وبأساليب غير مقبولة!

وكنت قد شاهدت واحدة من تلك المطاردات الراتبة المنتظمة التي تتم أمام برج البركة بكل ما عليه من زحمة لتلك الفئات مما يحدث إرباكاً في الحركة ويحيل المنطقة الى منطقة قبيحة ومزعجة وربما مخيفة.. لا تستطيع أن تعبرها بسهولة وأمان ولا تجد موقفاً لسيارتك.. وإن وجدت فلست أضمن لك أن تعود فتجدها كما هي دون أن تفقد (الرفرف) أو (المرايات) أو غيرها من الإكسسوارات التي تسهل سرقتها!

وقد أتفق مع الجهات المعنية في أن مثل تلك المناطق في حاجة لتجفيف أو تنظيم وضبط.. ولكنني أعترض على أسلوب القيام بذلك وعلى النتائج المترتبة.

فالشاهد أن تلك الفئات بعد أن تتم ملاحقتها ومصادرة مستلزماتها وبضائعها _لاسيما ستات الشاي اللائى تطفأ نيرانهن وتجمع (عدتهن) في الدفار _ سرعان ما يعودوا ويعدن لما كانوا عليه في أقل من ساعة بعد دفع الغرامة المحدده في المكان المعلوم وكأن شيئاً لم يكن!! حتى أنهم أنفسهم أصبحوا يتعاملون مع الأمر على اعتباره من المسلمات فلايبدو عليهم الانزعاج.. وكثيراً ما تعود ستات الشاي بالمزيد من الغنائم إذ أنه عند تسليم (العدة) يمكنها اختيار ما تشاء من بين المعروضات المصادرة كونها كانت مصادرة عشوائية ليس فيها ما يحدد ملكية الأشياء! كل هذا في حال لم يتمكن (صديقهن) الموجود ضمن طاقم الحملة من إبلاغهن في الوقت المناسب بتوقيتها فيمكنهن من الاحتياط للأمر مبكراً حتى يمر الأمر !

هل كانت كل تلك العروض لأفلام قديمة؟.. وهل كان ذلك مجرد فاصل قصير تعود بعده كل الأشياء لما كانت عليه؟.. وهل يعني المحلية من كل ذلك الأمر الجباية فقط؟.. وهل أصبح للبيع غير القانوني ثمن؟

لماذا لا تكون هناك قرارات حاسمة في ما يلي هذه الأمور؟.. تراخيص دائمة أو منع تام؟.. لماذا لا يكون المظهر العام وتنظيم الشوارع والحرص على راحة المواطن وأمنه أولوية مع مراعاة الظروف المعيشية القاهرة لتلك الفئات وضرورة معاونتهم على التكسب المشروع المنضبط؟

بالمقابل.. استرعتني مطاردة الأجانب لاسيما الأحباش بذات الكيفية ولذات الغرض!. ولو قدر لك مثلي أن تزور دائرة الأجانب لوجدتهم يتكدسون كالكم المهمل في الحراسات بصورة مقززة وغير إنسانية وتتم معاملتهم أسوأ معاملة ويتم تجريدهم من كل ما معهم بكل الوسائل لحين دفعهم لغرامة محددة أو استخراج بطاقة شكلية لا فائدة ترجى من المعلومات الواردة فيها سوى أنها وسيلة لإرغامهم على الدفع وفي كثير من الأحيان تستخرج بتاريخ قديم كما حدث أمامي!

وأياً كان رأينا في تزايد عدد الأجانب والمسالب التي صاحبت وجودهم يظلون (بني آدمين) وفيهم من جاء يسعى وراء لقمة العيش الحلال.. ومن واجبنا أن نتقي فيهم وفيهن تحديداً الله.. فحتى البريئة منهن تعلمت بسبب تلك الأساليب الممارسات غير البريئة وأحياناً يتعرضن للمساومة، وتستنزف أموالهن مقابل الرصيد وكباية الشاي التى قد تصل 10 جنيهات وقس على ذلك!

هذه أمور لا تحتمل الحلول الوسط.. تحتاج أن تحسم تماماً بصورة جذرية…لا على طريقة فاصل ونعود من أجل تحصيل الأموال فقط وعلى حساب مصلحة البلاد والعباد.. ولا أعتقد أن الجبايات وحدها الهدف الذي يجب أن تقوم عليه كل الحملات التنظيمية.. نحتاج فعلياً لخطة ضبط وتأمين.. نحتاج عاصمة حضارية فعلياً ومنظمة ونظيفة ومحترمة وآمنة.. نحتاج أن نحيا بكامل إنسانيتنا وكرامتنا.

وسواءاً تعلق الأمر ببني جلدتنا أو بالوجود الأجنبي المسيطر على سوق المهن الهامشية فإنه من الأفضل تسوية الأمور بشكل رادع ودائم وقانوني بدلاً عن طريقة القط والفأر هذه لأنها تحسب على الجهات المعنية وتعطى صورة سالبة ولا تجني سوى السخط والاستنكار.

تلويح:

لعناية المعتمد الهمام الودود/ عمر نمر.. وأزمة المعتمدين الحقيقية تكمن في أجهزتهم التنفيذية، فهم رغم اجتهادهم ونواياهم الطيبة (بيشيلوا وش القباحة)!

Exit mobile version