مستقبل الاقتصاد السوداني بين تقرير الايكونميست وآراء اقتصاديين سودانيين

أصدرت مجلة الاكونميست أمس الأول تقريراً اقتصادياً معلوماتياً عن دولتي السودان. في مجمله حمل تحذيرات من انحدار وتدهور الاقتصاد ليصبح يعتمد بصورة كلية على الديون الخارجية في عام 2019. التقرير شمل دولتي السودان مستصحباً ظروف سياسية ودبلوماسية رأت المجلة أنها تؤثر مباشرة على اقتصاد دولتي السودان الذي اعتبر مثل التوأم السيامي لم يتم فصلهما حتى الآن بصورة كلية حيث لا تزال الديون الخارجية تشكل ملفاً أعمق من ملف ترسيم الحدود. فضلاً عن حتمية عبور بترول الجنوب عبر أراضي وموانيء السودان حتى إشعار آخر ببناء خط أنابيب بديل يتجه جنوباً وهو أمر مستبعد في ظروف الجنوب الحالية.
شذرات من التقرير
تقرير الايكونوميست رسم صورة قاتمة تنتظر اقتصاد السودان، وتحدث بتفصيل عن العوامل التي أثرت سلباً وإيجاباً عليه وتبعات هذه الأحداث منذ الانفصال وذهاب بترول الجنوب ومن ثم التدهور الكبير في أسعار البترول عالمياً مصحوباً باستمرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي توقعت المجلة أن لا يتم رفعها في المستقبل القريب وربطت ذلك بحدوث سلام في السودان وإنهاء الحروب الداخلية.
وقالت المجلة: إن السودان شهد انخفاضاً ملحوظاً في التضخم في العام الحالي بسبب انخفاض أسعار السلع الغذائية عالمياً، وليس لأي عامل إيجابي اقتصادي داخلي.
نجاح الخطة الخماسية
إلا أنّ الخبير الاقتصادي دكتور عادل عبد العزيز يرى أن التخطيط الاقتصادي في السودان حالياً القائم على إنفاذ البرنامج الخماسي للاستقرار الاقتصادي أحدث أثراً ملحوظاً عقب تجاوز السودان المرحلة الحرجة التي مر بها الاقتصاد في الخمسة أعوام الأخيرة والتي تعرض فيها لثلاث صدمات بحسب قول دكتور عادل الذي قال: إن الأولى كانت الأزمة الاقتصادية العالمية، الثانية اتفاق نيفاشا التي أعطت 50% من الموارد البترولية للإقليم الجنوبي آنذاك، فيما كانت الصدمة الثالثة انفصال الجنوب عام 2011 وفقدان 50% من الإيرادات العامة و80% من عائدات الصادر.

الاعتماد على الديون الخارجية
قال تقرير الايكونوميست إن الاقتصاد السوداني سيعاني كثيراً في الأعوام المقبلة بسبب انحسار عائدات النفط لجهة انخفاض إنتاجه. وأشارت إلى أن الإنتاج حالياً يبلغ (115) ألف برميل في اليوم يتوقع أن ترتفع العام المقبل إلى (130) ألف برميل بدخول إنتاج مربع (6)، لكن المجلة قالت: إن ذلك لن يكون له أثر على الاقتصاد السوداني بسبب الانخفاض الكبير في سعر البترول عالمياً، فضلاً عن انخفاض سعر البترول السوداني. وقطعت المجلة أن الاقتصاد السوداني بحلول عام 2019 سيعتمد كلياً على الديون الخارجية من الصين تحديداً.
رأي مساند للمجلة
اتصلت (التيار) بالخبير الاقتصادي دكتور محمد إبراهيم كبج الذي قال: إن ما ذهبت إليه مجلة الايكونوميست صحيح تماماً، وأوضح أن حكومة السودان أهدرت فرصة غالية عندما لم تستثمر فترة العصر الذهبي للبترول، حيث أن اتفاقيات إنتاج البترول منحت السودان نسبة 20% من العائدات ارتفعت حتى وصلت إلى 60%. وذهب كبج إلى القول: إن حكومة السودان حصلت على أكثر من 80 مليار دولار من عائدات البترول لم تحسن استخدامها. وأكّد أنه ذكر هذه الأرقام في مؤتمر اقتصادي حضره خبراء الاقتصاد من المؤتمر الوطني وكان بدعوة من وزير المالية السابق علي محمود ولم يعترض عليها أي من الحضور على الرغم من أنهم كانوا من الخبراء الاقتصاديين.
حتى ارتفاع إنتاج البترول لا يكفي
دكتور كبج أشار إلى نقطة مهمة في ملف البترول، حيث قال: إن حق السودان في البترول يبلغ 60% من الخام، وإذا وصل الإنتاج إلى 150ألف برميل في اليوم فهذا يعني أن حصة السودان تبلغ (90) ألف برميل وهي لا تكفي الاستهلاك المحلي من الجازولين وغاز الطبخ. لكن ـ والحديث لدكتور كبج ــ في المقابل نجد إن إنتاج السودان من البنزين يفوق استهلاكه مما يوفر بعض المال لدعم استيراد الجازولين والغاز.

أين المخرج؟.
هذا السؤال أجاب عليه تقرير الايكونوميست بأن الحل سنة 2019 سيكون باعتماد الاقتصاد السوداني كلياً على الديون الخارجية من دولة الصين. فيما ذكرت أن الاقتصاد السوداني حالياً يعتمد على الديون الخارجية من دول الخليج والصين وزيادة الضرائب.
طرحت هذا السؤال على دكتور كبج، الذي أجاب بأن أزمة الإنقاذ في تعاملها مع الشأن العام بطريقة “كل واحد عاجبو الصارو”. وقال: إن السودان تسلم عائدات بترول فاقت الثمانين مليار دولار دون أن ينفق أي شئ، هدية جاءته من السماء – هكذا قالها -. مشيراً إلى أن إحصائية عام 2006 للمسح الأسري أثبتت أن 46.5% من جملة السكان يعيشون تحت حد الفقر في الشمال فيما بلغت النسبة 69.5% في القطاع المطري في دارفور التي يبلغ معدل الأمطار فيها (1200) مليار متر مكعب، فلو أن الحكومة استغلت عائدات النفط هذه في مشاريع لحصاد المياه لما حدث ما يحدث الآن. كما يمكن عقد مقارنة بالتحسن الكبير الذي طرأ على معدلات إنتاجية الفدان في القطاع المطري بعد استخدام الحزم التقنية الحديثة، فلو أن الحكومة استخدمت عائدات النفط في توفير مدخلات الإنتاج من سماد عضوي وكيميائي وبقية المبيدات. كما لا ننسى أن 66% من القطاع المطري التقليدي لا يجدون التمويل إلا عبر صغار التجار فيما يعرف بالشيل وهو أردأ أنواع الربا الذي حرمه الإسلام.
وقال كبج: إن الحل في أن يسمع أهل الإنقاذ والمؤتمر الوطني الرأي الآخر. وضرب مثلاً لذلك بما حدث في تقديم بناء سد مروي على تعلية الرصيرص التي كان من شأنها أن يقوم عليها مشروع ترعتي كنانة والرهد اللتان يقوم عليهما مشروع زراعي تبلغ مساحته 2.6 مليون فدان – أي أنه – أكبر من مشروع الجزيرة الذي نفاخر به. وأضاف: حتى سد مروي لم تستخدم فيه عائدات البترول، بل هو قرض بلغ أكثر من مليار دولار.

تفاؤل
وعلى الرغم من حديث كبج وما خلص له تقرير الايكومنيست، إلا أن دكتور عادل عبد العزيز له رأي آخر. فهو يرى أن السودان نفذ برنامجاً ثلاثياً في الفترة بين 2012 إلى 2014 أوقف التدهور الاقتصادي بمساعدة ارتفاع التعدين الأهلي عن الذهب وانخفاض السلع الغذائية عالمياً.
كما أن السودان ينفذ حالياً برنامجاً اقتصاديا خماسياً بدأ هذا العام ويستمر حتى 2019، وحتى الآن التقارير الدورية عنه مبشرة، حيث أظهر تقرير الربع الأول لهذا العام انخفاض التضخم فضلاً عن أن وزارة المالية اتخذت قراراً شجاعاً بتعديل سعر الجنيه مقابل الدولار مما وفّر للخزينة العامة 200 مليون دولار. فضلاً عن اتجاه البلد لأن تكون الزراعة والتصنيع الزراعي هما قاطرة الاقتصاد والتنمية. وزيادة عمليات التصنيع الزراعي والحيواني مع التحسن الملحوظ في العلاقات الخارجية مع المحيط العربي.
تقرير مجلة الايكونميست الذي وصفته بأنه استخباراتي أو معلوماتي تطلب جمع بياناته عدة شهور رسم صورة قاتمة للاقتصاد السوداني في المستقبل المنظور، وافق بعضه دكتور محمد إبراهيم كبج، فيما عارضه الدكتور عادل عبد العزيز، لكن كل وجهات النظر حملت أبعاداً سياسية ودبلوماسية ترى أنها تؤثر على سير الاقتصاد، ومقبل الأيام سيحدد إلى أين تسير سفينة الاقتصاد السوداني؟.

التيار

Exit mobile version