كمال عبد الوهاب… (دكتور) الكرة السودانية

كمال عبد الوهاب… (دكتور) الكرة السودانية
كان فلتة زمانه وعبقري أقرانه يطوع الكرة كيفما أراد وشاء، فتستسلم بين قدميه طائعة مختارة لذا نستطيع أن نقول عليه أنه ظاهرة إبداعية في صورة متناهية الروعة والجمال، لذلك نجده قد استحق أن يطلق عليه لقب (دكتورالكرة السودانية)؛ إنه نجمنا لهذا اليوم درة الملاعب السودانية اللاعب الفلتة كمال عبد الوهاب.
(1)
هو كمال عبد الوهاب سليمان ولد في عام 1950م بأمدرمان بحي أبوعنجة، درس بالمدرسة الإنجيلية التجارية، ولعب كرة القدم في بواكير صباه بفريق أبوعنجة، وأظهر مهارات فنية عالية في التحكم بالكرة مع جودة تمريراته القاتلة وقوة تهديفاته الصائبة التي قلما كانت تخطئ هدفها. وفي ظاهرة فريدة من نوعها وجديدة تم اختيار كمال عبد الوهاب للفريق القومي وهو لا يزال لاعباً بفريق درجة ثانية، وذلك في عام 1968م، وقد تمت تهيئة اللاعب لضمه لكشوفات فريق الموردة الذي كان يلعب له والده عبد الوهاب سليمان أحد أفذاذ لاعبي الموردة في الأربعينات، ولكن كان لتدخل خاله السريع مفعول السحر في تحويل مسار كمال من الموردة إلى المريخ، سيما وأن خاله عبد الله الحاج كان أحد قدامى لاعبي المريخ وقتذاك، ووقّع كمال في كشوفات المريخ في يوم السبت 27 ديسمبر 1969 بعد مطاردة مضنية وطويلة وذلك لتسابق وتصارع عدد من أندية القمة عليه، خاصة وأن اللاعب لم يكن يشمله فكّ التسجيل ولكنه وقّع للمريخ بعد اتفاق خاص مع ناديه السابق أبو عنجة.
(2)
ويعتبر كمال عبد الوهاب من اللاعبين القلائل الذين يحظون بجمهور عريض خارج نطاق جمهور ناديه المريخ؛ فقد كان عدد كبير من جماهير الأندية الأخرى بما فيها الأندية المنافسة للمريخ يأتون لمشاهدة تابلوهات كمال ولمساته السحرية النادرة. وبمناسبة السحرية النادرة هذه يوجد أحد الفرق المنافسة للمريخ سبق وأن اتهم المريخ بإشراك لاعب ساحر ويقصدون كمال والفريق هو فريق (فاتيما) من إفريقيا الوسطى الذي كان وإن هزم المريخ بثلاثية نظيفة في بانقي حتى اعتبر مباراة الخرطوم للنزهة والسياحة، ولكنهم تفاجأوا بمشاركة كمال عبد الوهاب الذي كان غائباً عن المباراة التي أقيمت بإفريقيا الوسطى، فتم إدخاله في منتصف الشوط الأول ليتلاعب بدفاعات (فاتيما) ويطرحهم أرضاً ويضع الكرة على الشباك بكل سهولة هدفاً أولاً، ومن عكسية أخرى يرتفع كمال قافزاً بمستوى أعلى من متر ونصف ليضعها رأسية قوية على يسار الحارس، أما الهدف الثالث فهو سبب خروج منتخب (فاتيما) من الملعب وذلك بزعمهم أن المريخ أشرك ساحراً وليس لاعباً، وذلك عندما استلم الكرة من دائرة السنتر ليتخلص بكل خفة ومهارة من لاعبي فريق (فاتيما) فرداً فرداً وهنالك من طرحهم يمنة ويسرى على طريقه حتى وصل المرمى ليودعها الشباك بكل مهارة وإبداع، بعدها خرج كل لاعبي فاتيما ورفضوا تكملة المباراة بزعم أن المريخ أشرك ساحراً لتعديل النتيجة.
(3)
إذا تطرقنا للحديث حول أهداف كمال فإنها تحتاج لعدد كامل، ولكن من ضمن أهدافه عندما كان المنتخب الوطني في دروة (أولمبياد ميونخ) ويحتاج الفريق لهدف واحد، وكان التعادل الذي كان مسيطراً سيطيح بالفريق فتم إدخال كمال في آخر خمس دقائق ليحرز هدفاً أسطورياً في الثانية الأخيرة، وقتها قال هاشم ضيف الله قولته الشهيرة: (إن الفريق القومي لن يتقدم خطوة واحدة في غياب كمال عبد الوهاب).
ويعتبر بعض الرياضيين أن كمال عبد الوهاب لا يحب ولا يحتمل التمارين الشاقة وعضّدوا حديثهم هذا بحادثة المدرب اليوغسلافي (يانكو) في عام 1974 عندما أخذ كل لاعبي المريخ إلى تفتيش سوبا بالبص، ثم قال لهم انزلوا واركضوا حتى الخرطوم، وذلك بحثاً عن لياقة أفضل. ولكن كمال خرج من الصف وذهب وركب المواصلات، لأن لديه فلسفة و رأي آخر في مشقة التدريبات ذكرها في إحدى مقابلاته الصحفية قائلاً: (يجب أن تستصحب التمارين القوية حيزاً واسعاً للتكنيكات الفنية وتطبيق الجمل التكتيكية، لأننا لعيبة كرة قدم وليس ألعاب قوى)!.
(4)
يُذكر أن كمال عبد الوهاب كان من اللاعبين الأكثر أناقة وهنداماً؛ حيث كان موظفاً ببنك (باركليز) وكان وقتها من اللاعبين القلائل الذين يمتلكون سيارات، وكانت سياراته من ماركة (فلوكسواجن) ويتمتع بعلاقات اجتماعية واسعة بين جمهور الهلال والمريخ، وفي تكريمه بنادي المريخ جاء صديق دراسته وزميله فوزي المرضي الذي قال “هذه المرة الثانية في حياتي أدخل فيها نادي المريخ، وذلك لأن كمال عبد الوهاب لاعب لا يمكن تجاوزه في خارطة الكرة السودانية، ويعتبر كمال عبد الوهاب عليه رحمة الله من اللاعبين القلائل الذين نحتت لهم تماثيل وفاء وعرفان لما قدموه، فكان له تمثال بنادي المريخ تماماً كتمثال ماردونا بالأرجنتين وتمثال بوي مور كابتن المنتخب الإنجليزي وتمثال كارلوس فالديراما كابتن منتخب كولمبيا. ولم يكن كمال ملهماً لفناني النحت فحسب بل كان ملهماً لكبار الشعراء بتابلوهاته ولمساته فقال فيه شاعرنا الكبير كدكي: (أبدع كمال نعم العلم.. تخطيط بدون ورقة وقلم… وباصات مركّزة بي فهم… ورّا الجميع كيف النّجِم… خلقوهو أصلاً للرّجِم).

 

السوداني

Exit mobile version