شهادتي للدنيا ..والزمان

الطرفة الشهيرة التي تحكي عن اثنين من الاصدقاء …ذهبا لزيارة صديق مشترك يسكن في احدى ناطحات السحاب الطابق 99 …اسقط في ايديهما عندما علما بان المصعد متعطل ولكنهما عزما على الصعود بالسلالم …بعد طول جهد وكثير صبر قال احدهما للاخر (عندي ليك خبرين …واحد كويس والتاني سئ ) قال الاخر (أبدا بالكويس ) …قال (وصلنا الطابق ال99 ..لكن دي ما العمارة الساكن فيها زولنا )…السيد وزير الكهرباء ..خرج علينا ليقول لنا عندي ليكم خبرين ..واحد سئ والتاني أسؤا …الاول ان القطوعات ستستمر الى ماشا الله ..حتى يبرد الجو أو ينزل المطر …وليس بيدنا حيال هذا الامر الا ان نرفع اكفنا الى السماء قائلين (اشكو ليك يا ربي )…اما الخبر الاسؤا الذي يندرج تحت مسمى (كفاك ولا ازيدك ) …ذلك ان سد مروي لن يكفي حوجة العاصمة ولو عمل بكل طاقته …..يعني السيد الوزير (جاب الزيت ) وقال لنا بالواضح كدا بلغة شباب هذه الايام (ما تشغلوها لينا … …)…ويكون بهذا قد قضى على احلام اكثر الناس تفاؤلا بتحسن الاوضاع والحل الجذري لمشكلة الكهرباء ..وفي ذات الوقت جعلنا نتساءل ..طيب ليه طلعنا ال99 طابق؟؟؟ واين ذهبت كل تلك الشعارات التي سوقت للسد وكأنه أرض الميعاد التي ستنهي تيه معاناتنا طوال هذه السنوات ؟؟؟
عموما وبعد قراءة تصريحات الوزير وتيقني بان الامر كان حقيقة وليس (كاميرا خفية ) ولا حاجة ..وبعد ان بلغ بنا اليأس كل مبلغ من موضوع الموية …قررت ان اكتب للتاريخ وللاجيال القادمة كلمات توثق لاشياء كانت من ابسط حقوقنا ..تمتعنا بها ردحا من الزمن ولم يكن يخطر على بالنا انها ستصبح سدرة منتهى احلام اطفالنا ..ابنائي وبناتي افراد الجيل القادم هذه شهادتي للدنيا والزمان …ارجو ان تصدقوا انه قد اتى علينا حين من الدهر كنا ننعم بتيار كهربائي منتظم وكانت الشوارع مضاءة ولم تكن الكهرباء تقطع ذات فجاة اثناء الصلاة في المسجد ..او اجراء عمليات بالمستشفى …اقسم بالله العظيم وكتابه الكريم انه كان هناك زمن تفتح الصنبور (هذا اسم الماسورة في ذلك الزمن البهيج)…فتنساب منه مياها نظيفة عذبة …وكنا نمارس عادة يومية اسمها الاستحمام بماء الدش الذي ينزل كالشلال فوق رؤوسنا …اقسم بالذي لا اله الا هو.. كنا ندرس في مدارس حكومية بها سور وفناء نظيف محاط بالاشجار ..وكنا نجلس على كراسي وكان لدي كل منا درج خاص يقفل بالطبلة والمفتاح نضع فيه الكتب التي توزع مجانا ولاناخذ معنا الا كراسات الواجب الى البيت ولم تكن ظهورنا تنوء بما تحمله من اثقال ..وكانت هذه المدارس شعلة من النشاط الاكاديمي والثقافي والرياضي ..وكانت هناك جمعيات ادبية تتنافس فيها الفصول في شتى ضروب الادب والشعر والموسيقى والمسرح….أقسم بالله العظيم ..ان قطارات السكة حديد كانت تجوب البلاد طولا وعرضا …وكنا نسافر بها الى وجهات البلاد الاربع ..امنين من حوادث الطرق ووعثاء السفر …أقسم بالله العظيم وكتابه الكريم انه كانت هناك مصانع في هذا البلد الطيب …مصانع نسيج ..وتعليب فواكه وصلصة وتجفيف بصل ومعاصر زيوت وكانت الفواكه في متناول اليد والجيب وكذلك طيبة الذكر اللحوم بانواعها …هذا يا ابنائي غيض من فيض ولو استطعت ان اجد كهفا ارسم عليه رسومات ونقوش كما فعل اجدادي من النوبيين لفعلت …حتى تعرف الاجيال القادمة هذه الاشياء …فالمعدل الذي تسير به هذه الخدمات الى الوراء …قلبي يحدثني انه سيأتي يوم يتساءل فيه الاطفال (كهرباء ؟؟؟ موية من الحنفية ؟؟ يعني شنو الكلام دا )…الا هل بلغت ؟؟؟ اللهم فأشهد ….صباحكم خير

د. ناهد قرناص

Exit mobile version