هيثم كابو يكتب بعد نجاته من موت محقق “1-2”: سيناريوهات الجريمة الغامضة.. و”يا روح ما بعدك معتوه

(1)
* بينما كنت أتبادل أطراف الحديث في ليلة الجمعة السادس عشر من رمضان بخيمة الصحافيين التي تقيمها منظمة طيبة برس مع عدد من الزملاء والأصدقاء، إذا بالصديق العزيز أبو هريرة حسين ينبهني إلى وجود امرأة وابنتها خارج الصالة – وداخل حرم الخيمة – تودان مقابلتي، وبالطبع لم أتردد لحظة واحدة في التوجه إليهما بعد أن استأذنت ممن كنت أجلس معهم.. وفي باب الصالة مباشرة قابلني الصديق سامر عمرابي بابتسامته العريضة التي تمتد لتصافحك قبل كفه، وخارج الصالة كان هناك جمع غفير بعضهم يتسامر على أكواب القهوة وآخرون أجبرهم التدخين على الخروج، بينما كان التركيز مع (الواتساب) هو القاسم المشترك الأكبر لمعظمهم.
(2)
* لم أغادر باب الصالة بمتر واحد متوجهاً لمن رغبتا في مقابلتي، فإذا برأسي يكاد ينشق نصفين بعد تعرضي لضربة مميتة في نصف الرأس تماماً حسبتها للوهلة الأولى حديدة سقطت من أعلى أو (قطعة أسمنت مدببة) استقرت برأسي نتيجة انهيار جزء من (ركيزة) المبنى.. أغمضت عيني لا إرادياً عندما حدثت لي حالة (زغللة) بينما ترنحت يمنة ويسرة ولا صوت يعلو فوق صوت صراخ المرأة التي جئت لمصافحتها؛ وبعد حوالي عشر ثوان لا أكثر سقطت على الأرض بعد أن تلقيت ضربة ثانية في الرأس وإن لم تكن بقوة الأولى ولكنها – لولا لطف الله عز وجل – كانت كفيلة بأن تجعلني ألفظ أنفاسي الأخيرة.
* عناية المولى سبحانه وتعالى وحدها قادتني لتجميع ما تبقى من قواي المتهالكة في وقت ظن فيه كل من هرع لمكان الحادثة أنني قد غبت عن الوعي تماماً إن لم أكن قد فارقت الحياة، فالجاني كان يمسك بقطعة أسمنت (إنترلوك) بكلتا يديه ويضرب بها من الوراء بكل ما يملك من قوة ولكن عناية السماء كانت أكبر من كل سابق تخطيط وإجرام وغدر (!!!).
(3)
* الأعزاء أبوهريرة حسين، خالد جوي، مصعب الفادني، خوجلي ومروان وجمال فرفور ركضوا سريعاً قبل أن يردف الجاني ضربته الثانية بثالثة هم بتنفيذها، وتمكنوا من القبض عليه، ليتم نقلي للمستشفى على الفور بمعاونة الأصدقاء أسامة صاين ومحمد عبد القادر وضياء الدين بلال وإمام محمد إمام ود. عبد الوهاب السيسي الذين بذلوا قصارى جهدهم لإسعافي بعد تخوفهم من حدوث نزيف داخلي، لا سيما في ظل الورم الكبير الذي ضاعف حجم الرأس، ولكن نتائج الصور المقطعية الأولية التي أجريت للرأس بمستشفى الزيتونة كانت مطمئنة لحد كبير، فأسرة المستشفى ظلت تقف على رجل اهتمام واحدة منذ وصولنا إليهم والزملاء والأصدقاء تدافعوا للاطمئنان بأعدادة كبيرة، بينما هرع وزير الصحة بولاية الخرطوم د. مأمون حميدة مشكوراً للمستشفى في الحال ومكث لعدة ساعات حتى تم عمل كافة الإسعافات والفحوصات اللازمة وأصر على أن يتم العلاج مجاناً بل وأعاد المبلغ الذي دفعه الأصدقاء الذين تركوا كل شيء وجاءوا لإسعافي يسابقون الريح.
(4)
* مكثت بمستشفى الزيتونة ثلاثة أيام، لأنتقل من بعد ذلك لمستشفى حاج الصافي ببحري تحت رعاية كاملة وإشراف تام من مدير المستشفى الذي قامت نهضة حاج الصافي على أكتافه، صديقنا الجراح المعروف د. علاء الدين يس بشير، ولا زلت أواصل العلاج بحمد الله هناك، وسأشد الرحال بإذنه تعالى لقاهرة المعز الأسبوع القادم وفقاً لتوصية الأطباء لإجراء المزيد من الفحوصات للرأس والسلسلة الفقرية، ونسأل المولى عز وجل أن يكتب لنا العافية في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان المعظم.
(5)
* تتقافز التساؤلات تباعاً بعد الحادثة الغريبة:
يا ترى لماذا أقدم الجاني على ارتكاب جريمة شنيعة كهذه؟.. هل ثمة جهة تحركه أو شخص ما يقف خلفه، خاصة وأن سرعة تحرك الأصدقاء الذين كانوا بالخارج في القبض عليه لم تمنحه فرصة الهرب رغم وجود بعض الأشخاص الذين طلبوا – بلا خجل – تركه يذهب لحال سبيله بحجة أنه ليس في كامل قواه العقلية وكأنهم يريدون للحادثة أن تدون ضد مجهول مثلما يحدث في معظم جرائم الغدر التي تطال الصحافيين؟.. وكيف لمختل عقلياً أن يترصد شخصاً بعينه من بين أكثر من مائتي شخص معظمهم من الصحافيين، ويسعى للغدر به وتوجيه ضربتين قاتلتين له، وألا يعتبر هذا (الاختيار المحسوب بدقة) نوعاً من (العقلنة)، فلو كان المعتدي يرمي كل من يقابله بالحجارة و(بضرب من طرف) فلو زُهِقت روح أحدنا على يده لما تردد أولياء الدم في العفو مشفوعاً بالدعاء له أن يمن المولى سبحانه وتعالى عليه بنعمة الشفاء؟.. وهل تهجم الجاني على صحيفة (الرأي العام) من قبل ست سنوات بسكين وتهديده للأستاذ يحيى فضل الله بالقتل يمنحه حق أن يفعل ما يشاء دون أن يجد رادعا ليروج البعض بأن هذا الشاب (مجنون يستهدف فقط الصحافيين) وكأنما الجنون قد بات يُقسَّم حسب المهن والوظائف، متجاوزين حقيقة أن شخصاً كهذا يمكن له أن يستغل (سابق سمعته الجنونية) في الوصول لأهداف يتم تحديدها والتخطيط لها بوعي وذكاء لا يملكه كثير من العقلاء، بالإضافة إلى بعض من يعرفونه وسبق لهم أن جلسوا معه لفترات طويلة وناقشوه في مواضيع شتى لم يستبعدوا إمكانية استخدامه لتنفيذ أي مخطط مهما كان نوعه، ومدى الجرم الذي سيرتكب فيه..؟
* أسئلة بديهية كثيرة تبحث عن إجابات تضمد علامات استفهامها يأتي على صدر قائمتها:
هل المريض نفسياً هو من يقول لحظة دخوله لقسم الشرطة إنه (مجنون رسمي) ولديه ملف بمستشفى عبد العال الإدريسي ويطالب بأن يتم تحويله للمستشفى قبل التحري معه؟.. وألا يمثل هذا التصرف (منتهى العقلانية) لجان تم القبض عليه بعد ارتكاب جريمته فبدأ في التفكير بوعي لـ(طريقة مخارجة عاجلة)؟.. وهل تم إجراء كشف طبي من قبل (كونسلتو متخصص) للجاني عقب ارتكابه لجريمته للتبين هل كان وقتها في كامل وعيه أم لا؟.. وكيف يتم تحديد نسبة الوعي من عدمها في ظل وجود تباين علمي في وصف الأمراض – يختلف باختلافها تحمل المسؤوليات – فهناك (الجنون الكامل) و(الجنون المؤقت) و(انفصام الشخصية)؟.. وإذا سلمنا جدلاً بأن الجاني (معتوه) رغم عدم منطقية ذلك الوصف في ظل معطيات الحالة التي أمامنا فكيف خرج من المستشفى بعد بلاغه الأول، ومن يتحمل مسؤولية الجرائم التي ظل يرتكبها باستمرار وكل أهدافها (أسماء صحافية) تفرق دم الترصد لها ما بين السؤال المتكرر والملاحقة تارة والوعيد والتهديد تارة أخرى فلم يسلم منه الأعزاء ضياء الدين بلال والهندي عز الدين ومزمل أبو القاسم وآخرون لم يكشف عن أسمائهم بعد وربما ينتظر فقط اللحظة المناسبة للانقضاض عليهم؟ وإن كان الجاني (مجنوناً كما يقول عن نفسه مع أن الكشف الطبي لم يقل ذلك حتى الآن) فيا ترى أين العقلاء الذين يهمهم أمره، فهل يعقل أن يمر حوالي أسبوعين ولا يأتي شخص من أهل الجاني أو أصدقائه ليتابع إجراءات حبسه ويشرع في استخراج ضمانة له، أو يزور المجني عليه للاعتذار والتخفيف عنه وشرح حالة الجاني المرضية أملاً في الخروج من عنده بعفو أو تفهم على أسوأ الفروض؟؟
* وغداً نواصل إن كان في العمر بقية.
نفس أخير
* ولنردد خلف الأمير عبد الرحمن بن مساعد:
(العقل) مثل (الجنون) وأصغر الذنب أكبره
والحديث ذو (سجون) والعفو عند (المقبرة).

Exit mobile version