محمد لطيف : لعبد الرحمن لا لعبد الرحيم.. أيتها الخرطوم .. إياك والظمأ

حتى لا اوصم بموالاة الوالى الجديد أشير الى أن هذا التحليل قد قدمناه بين يدى الدكتور عبد الرحمن الخضر الوالى السابق .. وها نحن نعيد نشره بين يدى أزمة المياه الماثلة الآن .. أما الوالى الجديد فقد نصحته بأن يطلق حملة إعلامية تحض المواطنين على الترشيد فى إستخدام الكهرباء حتى تنقشع الأزمة..سيما وأن الكهرباء مسئولية اتحادية ..!فالى موضوع الماء

صحيح أن حصة المواطن الأمريكى من المياه النقية الصحية الصالحة قد بلغت حوالى 380 لترا فى اليوم .. ولكن الصحيح ايضا أن حصة الفرد من المياه فى اليوم فى دولة متقدمة مثل المانيا لا تتجاوز 129 لترا .. وتقديرات منظمة الصحة العالمية قبل سنوات كانت تقول إن من 20 الى 30 لترا فى اليوم كافية لمقابلة إحتياجات المواطن فى بلدان العالم النامية .. أما المفاجأة الكبرى فهى أن حصة المواطن فى ولاية الخرطوم من المياه المعالجة النقية الصالحة هى 200 لتر فى اليوم .. ذلك محسوبا من مجمل الإنتاج اليومى لمياه الشرب فى الولاية من مختلف المصادر الى عدد السكان الذى تقول المصادر الرسمية أنه نحو 8 مليون نسمة خلال النهار .. هل نظلم الولاية حين نتحدث عن عجزها فى توفير المياه المطلوبة فى الوقت المطلوب ..؟ ربما ..!

ولاية الخرطوم تشرب من أحد عشرة محطة نيلية تنتج نحو 750 الف متر مكعب من المياه المعالجة النقية .. ومن 1890 بئرا تنتج ايضا ما يوازى ذات الكمية .. ولا تزال الخرطوم تلهث عطشى .. فأين المشكلة ..؟ خروج محطة سوبا عن الخدمة نتيجة إنفجار فى الخط الناقل .. لا فى المحطة نفسها .. أقام الدنيا ولم يقعدها .. حتى الوالى إضطر للإدلاء بتصريحات صحفية تطمينية حول الأزمة .. ولكن حين أعيد تشغيل المحطة بكفاءات سودانية خالصة .. وارتفع إنتاج المحطة بما يفوق طاقتها التشغيلية بخمسة عشر الف متر .. نعم .. قبل الإنفجار كان إنتاج المحطة مائة الف متر .. وبعد إعادة التشغيل إندفعت نحو مائة وخمسة عشرة الف متر من جوف المحطة .. فراح الناس يشربون ويغتسلون ويصبون الماء صبا.. دون رحمة .. ولما يرحمون .. فمتر الماء المكعب الذى يخرج من جوف المحطة نقيا صحيا صالحا للإستخدام الآدمى بتكلفة تبلغ الجنيهين بالتمام والكمال .. لا يدفع فيها الآدمى منا غير خمس وسبعون قرشا لهذا المتر المكعب .. مع ملاحظة أن مبلغ الجنيهين هذا إنما يمثل تكلفة المتر المكعب فى المحطة .. أى قبل الترحيل .. وتقرأ شبكة التوزيع .. مع كل يتطلبه التوزيع من تحديث فى الشبكات ومراقبة للأداء .. ومطلوبات الضبط و الكنترول الخ .. وبغض النظر عن الجدل المتوارث حول ما إذا كانت المياه خدمة أم سلعة ..؟ يظل السؤال الأخطر والأكثر إلحاحا .. كيف يمكن أن نضمن الحصول على خدمة منتظمة لسلعة حيوية مع هذا الخلل الواضح بين تكلفة الإنتاج و سعر البيع ..؟ بل ما هى الخيارات المتاحة لضمان سريان الخدمة .. دون إنهيار هذا المرفق الإستراتيجى مع هذا الخلل البين بين الإنتاج والتسويق ..؟ ولا شك أن المواطن لا يحب مثل هذه الأسئلة التى تجعله شريكا فى المسئولية .. ولكن المنطق يقول إن من الأفضل للمواطن أن يكون شريكا فى تقرير مصيره المائى قبل أن ينهار المرفق أو تأتيه الدولة بحل فوقى من عندها ..!

وللأمانة فالسؤال لم أطرحه أنا بل طرحه مسئول كنت أتحدث اليه بالأمس ففضلت نقله اليكم .. بل قدمته على تطمينات وجدتها عند البروفسير احمد قاسم وزير البنى التحتية والمواصلات بولاية الخرطوم الذى قال لى إن مائة وعشر مليار جنيه قد خصصت فى موازنة هذا العام لتطوير شبكات المياه .. ولكن الوزير فاجأنى بحديث جد قلق عن تأهيل بيئة العمل التى اصبحت طاردة حتى أن ذوى المؤهلات والخبرات بدأوا ينسربون من بين ايدى المرافق بحثا عن أوضاع افضل .. ملاحظة الوزير الأخيرة عن هجرة الكفاءات هى أشد ما دفعتنى لطرح مناقشة إلتزامات المستهلكين تجاه تكلفة إنتاج المياه .. خوفا من أن نصحو ذات صباح لنجد أن الكفاءات قد هاجرت .. والشبكات قد تعطلت .. والآبار قد جفت .. وأخيرا سؤال يشغل بالى .. هل حقا أن مواطن الخرطوم يستهلك مياها اكثر من مواطن المدن الألمانية أم أننا نمارس هدرا للموارد..كما فى كل شىء ..؟ ولنا عودة .

Exit mobile version