محمد احمد عجيب أصغر رئيس تحرير في تاريخ السودان: كنت الشاهد الوحيد على أحداث جماعة أيلول الأسود واختطاف السفـــراء الأجـانب بالخرطوم

الصحفي القدير محمد احمد عجيب اصغر رئيس تحرير في تاريخ السودان رجل من زمن بديع معطاء كانت الحياه فيه سهلة والانسان كائن ارفع من ان تحمله امواج الزمن ، لأن الناس كانت تحمل قيما رفيعة واحلاما كبيرة تحلق على جناح يمامة ،وكان الوطن يشكل حضورا مع طوابير الصباح في قلب كل سوداني . ومن هنا خرج عجيب رجل حمل نفحات الريف في قلبه وحضارة المدينة في عقله، عاش الاحداث التي غيرت مجرى التاريخ، لا بل شارك فيها وصنع بعضها وحفظها لتروى لأجيال لا تعلم الكثير، ويجب ان تعلم عن ما مضى لتعلم ما سيأتي وإلا ستتحول اعمارهم الى طريق كتبت عليه لافتتان ممنوع الوقوف فتعبرهم ايام العمر قبل ان يعبروها وتدور ايامه (تور ساقية ) . لهذا فإن وقفة تنزع لافتات الممنوع تحمل الحقائق الكبيرة لأجل غد ملك للمواطن والوطن واي وقفة تفعل ذلك غير تلك التي نقفها مع رجل مثل (عجيب) شاهد اثبات ورجل يحمل تاريخنا وحقائقنا وحكاياتنا التي تصلح ترياقاً لداء ما ستحمله قادمات الايام …

ـ التاريخ يقول انك الشاهد الوحيد في ازمة جماعة ايلول الاسود واحداث اغتيال المستشار الامريكي في الخرطوم نطلب منك ان تروي تفاصيل ما حدث ؟
الحقيقة ليست هناك علاقة تربطني بجماعة ايلول الاسود بل لم يحدث ان التقيت احدا من جماعة ايلول الاسود قبل الحادث الذي سأرويه لكم والذي احدث دوياً كبيراً في السودان خاصة وأن الحدث كانت فية اطراف متعددة ودول كبرى واحدث هذا الحادث ازمة دولية كبرى.
وكان مسرح الاحداث الخرطوم، كنت اسكن وقتها في ديم التعايشة كان الخميس بانتدابي من صحيفة الايام الى الاتحاد الاشتراكي للمساعده في اصدار صحيفة العمال كان ذلك في العام 1972م.
وفي مساء ذلك اليوم خرجت من منزلي الى العمارات شارع 31 حيث يسكن صديقي محمد عبد الحليم وجدته هو وزوجته علوية الفاتح وامامهم آنية الشاي شاركتهم شرب الشاي واثناء حديثنا سمعنا صوت اطلاق رصاص كثيف فخرجت استطلع الامر وظننت للوهلة الاولى انها اصوات ألعاب نارية بمناسبة افتتاح كبري القوات المسلحة فجاء احد الجيران وقال هناك اطلاق رصاص في السفارة السعودية وبصفتي صحفياً لم يكن امامي بد سوى ان استطلع الامر ذهبت الى السفارة السعودية وهي قريبة جدًا من منزل محمد عبد الحليم.
وعندما وصلت وجدت الباب مفتوحاً فدخلت فجأة صوبت نحو رأسي بندقيتان كل في اتجاه وجاء صوت قال لي (مين ) قلت صحفي عادت النادق الى موضعها وعلى ما يبدو كانوا يحتاجون الى الاعلام قالوا نحن ايلول الاسود وسحبت البنادق وقالوا نحن سعداء بوجود صحفي فدار بيننا حوار علمت منه انهم عرفوا ان السفير الامريكي سيقام له حفل وداع في السفاره السعودية وهم يستهدفون عددا من السفراء على رأسهم السفير الاثيوبي. ولكن علمت منهم ان السفير الاثيوبي الذي كان مستهدفا ومن المتوقع ان يكون موجودا في هذا الاحتفال لم يحضر بسبب

ان الامبراطور هيلسلاسي كان موجودا في السودان، وقد ذهب السفير الاثيوبي مع الرئيس نميري والامبراطور الى جوبا للاحتفال بمرور عام على اتفاقية اديس ابابا للسلام الموقعة بين الشمال والجنوب وسألتهم هل سيظل الوضع هكذا الى الابد قالوا (منتظرين تعليمات من القيادة ) واذكر ان قائد العملية الذي كان اسمه ابو فايز قد امر بوضع كل السفراء والدبلوماسيين في البدروم وقد كان اغلب السفراء موجودون في هذا الحفل .
بعد ان خرجت توجهت الى منزل صديقي محمد عبد الحليم واتصلت تلفونيا وبلغت الجهات الحكومية وما هي الا لحظات حتى انتشرت القوات في كل مكان حول السفارة السعودية واستمرت الأزمة لايام واصبح منزل محمد عبد الحليم مركزاً لتجمع الاصدقاء ليعرفوا الاخبار.
وقد كان المفاوض لمجموعة ايلول الاسود هو اللواء الباقر واذكر انه وفي نفس اليوم وحوالي الساعة التاسعة مساء اصبحوا يطلقون سراح السفراء العرب وقد التقيت احد السفراء المطلق سراحهم بشارع 15 العمارات وقد بدأ الاعياء عليه وذقنه تنزف دما قال هم قاموا (بنتف) لحيتي.
وفي اليوم التالي انطلقت شائعة تقول ان هناك طائرة امريكية تحلق في سماء الخرطوم تستعد لضرب الموقع وكان هذا ابرز حدث في اليوم الثاني.
اما في اليوم الثالث حدث شيء مروع لقد قاموا بقتل المستشار الامريكي ومن الطريف ان احد السودانيين كان بصدد اقامة حفل وداع للسفير الامريكي الذي ظهرت اشاعة بقتله.
وتم بعد ذلك القبض على الفلسطينيين ووضعوا في السجن، وهاجم نميري في خطاب ساخن الفلسطينيين وقال (سأجعل ايامهم كلها سوداء) ولكن كان الوضع هذا غير موفق، فلسطينيون في السجون اخراجهم مشكلة كبيرة والابقاء عليهم مشكلة كبيرة واصبحت الحكومة في حيرة من امرها.
وفي يوم من الايام التقيت محمد محجوب مستشار رئيس الجمهورية وقلت له لدي اقتراح تبلغه لنميري وهو ان الحرب بين مصر واسرائيل مشتعلة الآن والسادات بعد ان حدثت ثغرة الدفرسوار قال انه يحارب امريكا يمكن ان يتم اطلاق سراح الفلسطينيين تحت هذا الستار وتحل هذه المشكلة الشائكة، وجاءني محجوب في اليوم التالي في البيت وقال اجريت تعديلا بسيطا على مقترحك وهو ان لا يتم اطلاق سراحهم تماما بل يسلموا الى منظمة التحرير ويحاكموا في مصر.
وقال محجوب: لقد قدمت المقترح الى الرئيس باعتبار انه مني ضحكت وقلت له باستطاعتي ان ادعي انني الذي ألقيت القبض عليهم ثم اطلقت سراحهم .

Exit mobile version