حضرنا ولم نجدكم..!!

مساء امس جاء المواطن عيسي الباشا راجلا الى منزل النائب الاول لرئيس الجمهورية ..عيسى مواطن أشعث أغبر من بادية المسيرية بجنوب كردفان ..جمعته صلة ذكريات وعمل سابق مع الفريق بكري صالح حينما كان الاخير مسؤولا كبيرا في الجيش..ليلة امس جاء الرجل ليهنيء الفريق بكري بعيد الأضحى..صحيح ان البروقراطية جعلته ينتظر قليلا ولكنه في نهاية المطاف مضى الى مجلس النائب وخطف الاضواء..تحدث عنه بمودة نائب رئيس الجمهورية وسرد بعض من ماض الرجل..بعدها خرج عيسى الباشا مسرورا بعد ان التقى صديقا قديما ظن ان المسافة السياسية قد باعدت بينهما.
في ثاني ايام عيد الأضحى ذهبت برفقة الصديق امام محمد امام ودكتور عبدالوهاب السيسي الى منزل الشيخ حسن الترابي للمعايدة..وجدنا الباب مفتوحا والشيخ يستقبل بنفسه ضيوفه..تلك سنة طيبة استنها الشيخ منذ ان كان مرشداللانقاذ وربما من قبل ذلك..في الأعياد الرسمية وحتى في الايام العادية يظل منزل الشيخ مفتوحا للضيوف..اذا صادف الوقت وجبة اطعام بسطت الموائد بطعام بسيط كسائر طعام اهل السودان..هذه الحميمية جعلت الشيخ زعيما متواضعا قريبا من قلوب أنصاره.
لن تتضح المسالة الا بمقارنتها ببيوت اخرى يسيطر عليها هاجس المراسمية والترتيبات الامنية..عندما تمت اعادة تعيين الاستاذ علي عثمان نائبا اول للرئيس عقب انفصال الجنوب ذهبت في معية أصدقاء لتهنئة الرجل..في ذاك اليوم الذي صادف يوما يستحب فيه صيام التطوع كانت الأبواب مغلقة.. في استقبال ضيق غير مهيأ بوسائل الضيافة كانت يتم استقبال جموع المهنئين ..يطلب من كل زائر تسجيل تهنئه في كراسة ثم ينفض الى حال سبيله ..كان المنطق في ذاك الجفاء ان الشيخ مشغول بتفاصيل ادارة الدولة .
في تقديري ..ان اي زعيم يشغل منصبا عاما يحتاج الى استنباط سياسة تتيح له التواصل مع عامة الناس..مثل هذا التواصل يجعل شاغل الوظيفة العامة ملما بأحوال المواطنين بعيدا عن التقارير الرسمية المحملة بأرقام فيها قدر من المبالغة..الحكم الراشد في الغرب جعل ذلك التواصل افتراضيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ..لكل مسؤول صفحة في الفضاء الإسفيري ..وهنالك بريد فعال يحمل انفاس وأحاسيس عامة الناس الى كبار المسؤولين . الرئيس جورج بوش الابن كتب في مذكراته انه تلقى رسالة في بريده الخاص تتحدث عن معاناة المواطنين في جنوب السودان بسبب الحرب الأهلية ..تلك الرسالة جعلته يضع ملف الجنوب على قائمة اهتماماته في البيت الابيض..حتى الدول ذات الحكم الملكي استنبطت وسائل للتواصل مع الرعية..مثلا في الكويت تظل مظلة (الديوانية) نقطة التقاء بين المسؤول وعامة الأهالي.. في السعودية مجالس الأمراء مفتوحة لتلقي الشكاوى والبت فيها فورا.
بصراحة..من أراد ان يهنأ بالخصوصية ويعلي من أسوار بيته ويبعد عن رهق الحياة العامة فليترك المسؤولية والمنصب العام الذي هو تكليف يستوجب التضحية .

Exit mobile version