لا تنتطح عنزان في فلاة في أن الدكتور منصور خالد يعد من أكبر المفكرين في البلاد إن لم نشطح وتواضعنا، ومن أعظم المثقفين (العرب) إن وافق هو ورضي، وذلك من خلال منتوجه الكبير وتجربته الثرة في الحكم والمعارضة من ترويض الأنظمة، كما فعل لمدة مع مايو وإلى (تمريض) الحركات المتمردة كما فعل لزمن طويل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، حتى (وفاتها) بانفصال الجنوب.
تابعت حواره في فضائية الشروق عندما حل ضيفا على الأستاذ ضياء الدين بلال، ثم قرأت الحوار مكتوبا في صحيفة السوداني، فلم أجد عنوانا أبلغ من مثل عامي سوداني يقول (زمنو فات وغنايو مات)، ورابع ثلاثة يتحسر على الحال والتغيير الذي اعترى الناس، فالثلاثة الكهول الآخرون ونعني بهم الترابي والميرغني والمهدي، لم يصلوا بعد إلى ما وصل إليه منصور خالد، فانكفأ على أوراقه يكتب ويدون، ويقرأ كما قال لما لم يجد له دورا.
يشبه لي الرجل أبو الطيب المتنبئ في كثير من سيرة حياته ومسيرتها، فتراه يصاحب الزعماء ويدبج المقالات قاطعا الفيافي، كما فعل الشاعر الطموح عساه يبلغ حاجة في نفسه، فإن كان المتنبئ قد صرح بأنه يريد الإمارة فإن منصورا لم يصرح بذلك عيانا، ولكن كل وثباته وسباته كانت تقول ذلك، كما قالت وقع سنابك الحصان في القصة الشهيرة (خطفها خطفها).
قالت إيلين للطيب صالح في قصته الجميلة والشهيرة ما معناه قد تجد أهلك تغيروا، ولكن أتمنى أن لا تكون قد تغيرت أنت… ونعترف أن السودان قد تغير ونسيجه الاجتماعي يتحول الآن، وأن كثيرا من المفاهيم تعدلت، ومن الثوابت تضعضعت، ولكن الواقع الحياتي لا يتماشى وفق أغنية هاشم ميرغني:
غيب وتعال تلقانا نحن يانا نحن
لا غيرتنا الظروف ولا هدتنا محنة
فانقطاع لحمة الوطن كان لمنصور يد فيها، إن لم يمرر السكين فقد (مسك) طرفا وشده، كما يفعل الناس في تقطيع لحم العيد والصورة لا تزال حية.
وتوقع الرجل بعد كل ذلك أن يعود الجنوب إلى الشمال، مشددا على أن اللغة العربية هي خطاب جوبا الشعبي والرسمي، ولقد كانت قبل الانفصال كذلك، فما أغنت شيئا.. ليت الدكتور منصور يقرأ كتابه (حوار مع النخبة) ويسقطه على الآن، فإن مزقه فلي نسخة أهديها له..
