من “سناء حمد”.. إلى “صلاح ونسي” أيا شيخي .. وأخي وقرة عيني ..

أيا شيخي .. وأخي وقرة عيني ..
أحقاً ترجلّت ؟؟!!!!
(ما علمت قبل موتك أن النجوم في التراب تغور)
أيا صلاح..لم يترك لي أحبابك شيئاً أنعيك به… لم يتركوا لي إلا فجيعتي ونزف قلبي
أيا أخي الذي لم تلده أمي..يالهف أمي
أيا عضَدي ..بموتك فُتّ عضُدي
أيا سندي.. بموتك كُشف ظهري
أأبكيك ..بلى..إنما أبكي
سمح النفس بسام العشيات الوفي
الحليم العف كالأنسام روحاً وسجايا
أريحيًّ الوجه والكف افتراراً وعطايا
أيا صلاح ..عيل صبري ..وأعجزني الثبات..، أما قال عليّ كرم الله وجهه
شَيئانِ لَو بَكَتِ الدِماءَعَلَيهِما
عَينايَ حَتّى تَأذَنا بِذِهابِ
لَم تَبلُغِ المِعشارَ مِن حَقَّيهِما
فَقدُ الشَبابِ وَفُرقَةُ الأَحبابِ
على مثل أخي فلتبكِ البواكي..يا رسول الله للتو علمتُ كم أوجعك حمزة!
يا أكثر من نصف عمري صحبةً وإخاءً..
تراجعت قيمة الكثير عبر هذا المشوار
إذ تغلُب الطباع التطبّع حيناً، ويفتِن خُلّب الدنيا بعضهم حيناً آخر ..إلا أنت كنت تكبُر عند كلِ موقف، وتعلو عند كلِ حدث، وترتفع عند كلِ داهيّة.
يا بعض عمري..أترجلت؟! الآن فهمت ذاك الدأب..وتلك الهِمة..ليتني فهمت قبلها
أنك بارقٌ سرعان ما يمضي..كنتُ أحسنتُ التعلّم.

يا صلاح..أسمعك تقول إنما نحن في طريقنا هذا في صلاة، لا ينقِص من يقيننا فيها ولا إحساننا لها من هم على أليمين أو اليسار أو حتى الإمام ..إن لم يُحُسِنوا الوضوء أو على غير طهْر..إنما نُخُلِص النيّة لله ونخشع في صلاتنا، (خلوُنا نعبد الله كأننا نراه في دعوتنا، كما نفعل في عبادتنا، لا يضُرنا من ضل، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح )….كم كنت صادقاً ومخلصاً ومعلِماً …وكنت أظنُك مستجاب الدعوة وبمثلك نحفظ..الآن خُفتُ!

يا صلاح..
سُتر السنا وتحجبت شمس الضحى وتغيّبت بعد الشروق بــدورُ
ومضى أخي وجرّعني الأسـى وترك بقلبي جذوةٌ وســعيرُ
يا ليته لما نوى عهد النـــوى
وافى العيون من الظلام نذيرُ
أترجَلت؟! …اليوم ترّجل رجُل
أبا محمد..الآن علِمت لم كنتَ عفَ اللسانِ، عفيف اليدِ
أبا أيمان..أيها المؤتمن..لمن أبث سريّ
أبا آلاء… أيها الحكيم..بمن أستهديّ
أبا هشام ..أيها الرزين..بمن أستعين
أبا أواب …أيها الحازم..بمن نقتدي
كثيرون وُلِدوا قبلك..ولم يملكوا حكمتك.
كثرٌ هم أندادُك..لكن فاقتهم همّتُك
ليتني رأيتك يوماً غاضباً لنفسك، أو مُقدِماً لها، ليتني لم أرْك خفيفاً عند الفزع، ثقيلاً عند الطمع، ليتني لم انتبه لك تجانب الغيبةَ والمناقص من أخواتها وتزجُر فيها، ليتني لم أرَ كم كان وقتك مباركاً بين أداء فرضك وإنجاز عملك.. والمسارعة في المكرُمات…
ليتك لم تضئ لحظات كل من يلتقيك فرحاً في النفوس أو ضحكاً من القلوب، أو تفريجاً للكروب . …ليتني لم أشهدك وأنت تبذُل الجهد لتُسّكِن روع خائف، أو لتدخل الطمأنينة في جوف مفزوع..
ربما حينها كان سيخف حزني ويرقأ دمعي..
يا أيها المسارعُ لربك كيف ثبّت في وجه الموت..وأنت تعلمُ أنك ملاقيه…يآااإلهي لقد كنتَ حاضِر الذهن وتستعِد..يا لغبائي!
يا لكل ذاك الحُب الذي تفجَر حين نُعيتَ لقد غبطتك في موتك البهيّ .
يا لكل ذلك التقدير والاحترام الذي تَبدى حُزناً ووجلاً وتجلداً عند عتبة دارك..
يا لغرسك الذي أزهر شباباً يُنّع أحبوك ملأوا جنبات بيتك وحرمه.
يا أيها المتسامي فوق كل صغيرة مضيت بلا ضغينة،
يا أيها الحنطيّ العابر فوق كل قبيلة..عند بابك أقعَد الحزُن الجميع،
يا أيها البهيّ ..يا ماضياً مثل الشهاب، لن يخذيك الله أبداً…لقد عشت حياةً لن تتكرر، وأجَمع عليك من عرفوك إجماعاً كأنه يستوفي وجَبت.
لم أجد إلا بيان الخنساء اقتبسه وأتصرّف فيه..إذ عجِز بياني ويا لهولِ حزن الخنساء :
ألا يا صلاح إن أبكيت عيني
فقد أضحكتنـي دهـراً طويلاً
ذكرتك في نسـاء معولات
وكنت أحقّ مـن أبدي العويلا
دفعت بك الجليل وأنت حيّ
فمن ذا يدفع الخطـب الجلـيلا
إذا قبّح البكـاء علـى قتيل
رأيت بكاءك الحسن الجمـيلا
ولخلِّه وصحبه وإخوته….يا لثقل النعي ويا لعِظم المنعيّ..ولكن غداً..كيف تقبرونه ؟! وكيف تفعلونها!!..
وقبرت وجهك وانصرفت مودعاً
بأبي وأمي وجهك المقبورُ
فالناس كلهم لفقدك واجدٌ
في كل بيت رنة وزفيرُ
عجبا لأربع أذرع في خمسة
في جوفها جبلٌ أشمُ كبير
وبعدك فلينتقِ الموت منِّا من يشاء..
فقد أخذ النقّادُ أجودَنا…وكنت أنت.

المجهر السياسي

Exit mobile version