فيلم مصري.. بايخ

مشهد أول..
أنا سيدة من (……) نزلت القاهرة بغرض السياحة.. وفي نفس الوقت استثمار.. تقابلت مع جماعة سودانيين.. عرضوا عليّ مبالغ بالدولار على أساس تغيير المبلغ بأقل من سعر السوق.. بالفعل وروني فلوس عندهم كميات من الدولارات.. فأحضرت لهم مبلغ ثلاثمائة وأربعين ألف يورو.. بعد كدة اختفى الجماعة وبدأوا يماطلون في تسليم المبلغ.. شكيت في الأمر وبلغت السلطات المصرية..!
مشهد ثانٍ..
تلقت الإدارة بلاغا من سيدة (………) تفيد بتعرضها لواقعة احتيال من قبل أشخاص سودانيين.. زعموا لها أن لديهم كمية من الدولارات الأمريكية ويرغبون في بيع تلك الدولارات لها بسعر أقل من سعر سوق الصرف.. ثم قالوا لها إن تلك الدولارات عليها مادة سوداء وإنهم محتاجين يشتروا محاليل كيماوية لإزالة تلك المادة السوداء وتحويل الدولارات لدولارات صحيحة.. من خلال ذلك حصلوا منها على مبلغ ثلاثمائة وخمسين ألف يورو.. ثم اختفوا بعد ذلك..!
المشهد الأول حديث لسيدة مسدلة الشعر لا يتسق مظهرها مع الدولة المنسوبة إليها وإن أُخُفي وجهها بعناية.. والمشهد الثاني في الفيلم البايخ لضابط مباحث مصري.. وربما وكيل نيابة.. بربطة عنق أنيقة.. يروي كيف أن قوته قد تحركت فورا وضبطت سودانيين في شقة مفروشة.. إلخ..
هذا ملخص.. أو نقل دقيق لمقطع فيديو متداول في مواقع التواصل الإجتماعي.. وبعد هذه الواقعة بأقل من أسبوع كانت القنصلية السودانية بالقاهرة تحذر السودانيين من التجوال في شوارع القاهرة بمبالغ كبيرة.. ما فهم من تحذير القنصلية أنه يعني العصابات والمتفلتين والخارجين على القانون.. غير أن الأحداث كشفت لاحقا.. وللأسف.. أن القنصلية كانت تحذر السودانيين الأبرياء من ما يحاك ضدهم من السلطات المصرية وحراس الأمن لا المتفلتين.. وأخيرا كانت السفارة السودانية في القاهرة تسفر عن الأمر دفعة واحدة معلنة أن السودانيين أصبحوا عرضة للتضييق والملاحقات الأمنية في شوارع القاهرة..!
فمن وقائع الفيديو أعلاه.. كان جليا أن ثمة أمرا غير طبيعي.. فالسيدة تتحدث عن حضورها القاهرة للسياحة والاستثمار.. وما بين الأمرين ما يفصل بين الخافقين.. ثم تتحدث السيدة عن أناس التقتهم دون سابق معرفة فأعطتهم مئات الآلاف من اليورو.. لتغييرها لها بأقل من سعر سوق الصرف.. والصحيح أن تقول أعلى من سعر سوق الصرف.. ومعروف للذي يرغب في الاستثمار أي سكة يسلك.. حتى حرصهما على الدقة يكشف التناقض بدل تعزيز الروايتين لبعضهما البعض.. فالسيدة تتحدث عن ثلاثمائة وأربعين ألف يورو.. بينما وكيل النيابة المصري يتحدث عن ثلاثمائة وخمسين ألف يورو.. وهل يعقل أن يقدم أي عاقل على تسليم مبلغ بهذا الحجم لأناس لا يعرفهم أصلا؟.. ثم ثمة ملاحظة غريبة ترجح أن لهذا الفيديو مهمة أخرى غير مهمة الإخبار البريئة.. أو حتى مهمة توعية المستثمرين والسياح.. التي حاول.. الراجل أبو بدلة سودا.. أن يقنعنا بها.. فالأصل في مثل هذه العروض أن يتم حجب المتهمين باعتبار أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فلا يكون قد تعرض لعملية تشهير.. وفي المقابل يكون من الطبيعي عرض صورة الشاكي أو المدعي.. فمن أهم معززات صحة الوقائع أن يكون هناك ضحية بالفعل.. ولكن الذي حدث في الفيديو إياه أن سيدة قد أخفي وجهها بعناية.. بينما كان المتهمون سافري الوجوه بل إن السيد وكيل النيابة لم يتردد في الإعلان عن ضبط أربعة سودانيين.. وهكذا في عملية تنميط مباشرة..!
والسؤال الأهم.. إذا كانت هذه السيدة تحمل ما يقارب نصف المليون يورو فما الذي يحوجها لشراء مبالغ إضافية من الدولارات.. وبطريقة فيها درجة عالية من المخاطرة.. ثم كيف لمشترٍ أن يسلم مثل هذه المبالغ الضخمة لبائع دون حتى أن يرى البضاعة ويطمئن لسلامتها.. ناهيك عن ثقته في هذا البائع..؟

Exit mobile version