محمد الطاهر العيسابي : من المبدع ( صديق أحمد )!!

-1-
يا ﺯﻳﻨﻮﺑﻪ ﺃﺑﻮﻛﻲ ﻫﻮ ﺃﺻﻠﻮ ﺣﺎﻟـﻮ ﺑـﺮﻩ
ﻟﻮ ﻗﺎﺭﻱ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻫـﻮ ﻭﻻﻫـﻮ ﺳﻴـﺪ ﺧﺒـﺮﻩ
ﻭﻣﻮ ﺯﻭﻝ ﻏﺮﺑﻪ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺟﺎﺑـﺮﻩ
ﻣﺎﻟﻮ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺻﺒﺮ ﻛﻞ ﺍﻟﺨﻠﻮﻕ صابره ..

ما أن تسمع هذه الكلمات الرائعة بلحن وصوت أستاذ الطمبور القامة صديق أحمد , وإلا (تخنقك العبرة) وتشعر بغصة في حلقك من فرط كلماتها الحزينة و الصوت الدافيء الشجي الذي يتغنى بها ويجسد المشهد .
الأستاذ صديق أحمد, صوت لن يتكرر في تاريخ الفن السوداني , فهو قامة باسقة مفعمة بالجمال كنخيل الشمال , وبحر يفيض من الإبداع , ظل يسعد هذا الشعب المثقل بالهموم دون مقابل, عذب اللحن, ندي الصوت, نقي السريرة , صبوح الوجه, أبيض القلب, عفيف اللسان, يغمرك بكرمه الفياض .

-2-
حصل الأستاذ ( صديق أحمد ) الذي اجيز صوته بالاذاعة السودانية منذ سبعينيات القرن الماضي على رتبة ( رائد) في أغنية الطمبور , لما يتميز به من إبداع يأخذ كل حواسك .
صديق أحمد ( أجيكم ماني زائر , قريب لو في العمر باقي , الجزيري بقت مخادة, القلب يشوف قبال العين ) .
صديق أحمد ( يازمان بالله أشهد, الدمعة لو بتعين , حديثك شوقنا ليك, داير اقوم بالتوفيق غفر ) .
صديق أحمد ( أجمل الحلوين, حبل الصبر, صابر جرا, المكتوبة ما بتنفات, تمري المانجض دفيقو , ياقمره صبي السنسني الحمرا وشوفي ابوي أنا الراجاهو كل صباح ) .
صديق أحمد ( نار عويش , بلا ميعاد, بلالي متين يجي, سلطان زمانك, حكاية الشافعه, يامريسيل, شمس العصاري ) صديق ( يا وطن حبك متكن جوه مابين المفاصل ) ..الخ
و المئات من الدرر المنظوم التي أطرب بها أسماع الشعب السوداني لأكثر من أربع عقود .

-3-
هذا المبدع يرقد الآن طريح الفراش بمنزل إيجار متواضع بالدروشاب, يئن في صمت بين الحيطان , يكتسي وجهه حياءا وعفة خشية أن يزعج حوليه , يتوكأ على عصاتين بعد كسر أصيب به شل حركته , وقد جار عليه الزمان وألقى على جسده المتعب رهق السنوات !
صديق أحمد, المؤمن الصابر الذاكر لربه , يشكو همه وبثه إلى الله في صبر وجلد, يلقاك برغم مافيه من ألم بوجه هاشا باشا, يخفي في طياته الوجع.
نصحه الأطباء بالاستشفاء ( بألمانيا) ويراها حلما بعيدًا بسبب بساطة وضعه , ويواري آلامه بالحمد والشكر وستر الحال . فعلاجه وتوفير منزل له ليس عصيا على أجهزة الدولة ومعجبيه, وهذا من أوجب الواجبات التي يستحقها هذا الرمز .

-4-
صديق الذي طالما تغنى ب ( ﺍﻟﺪﻣﻌﺔ ﻟﻮ ﺑﺘﻌﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﺑﺪﺭﻱ ﻋﺎﻧﺘﻨﻲ ﻣﺎﺧﻠﺖ ﺍﻻﻳﺎﻡ ﺁﻻﻣﻪ ﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﺍﻧﺎ ﺭﺍﺿﻲ ﺑﺎﻟﻤﻘﺴﻮﻡ ﻣﻬﻤﺎ
ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺎﺳﻲ ) يقاسي الآن الألم في صمت و عفة , يمتليء يقينا بالله , راضيا بالابتلاء .
من لهذا العملاق الذي ندين له بما قدمه من إبداع وجمال أضيف إلى رصيد الأمة السودانية , من لصاحب الفن الراقي العفيف الأصيل الذي رسم بصوته ونغمات طمبوره مشاهد خلابة للنيل والنخيل والطين واللوبيا والمكادة و الجروف والجزيري ومويتها العكره وتشقه وهكره والبلد ﺑﻬﺠﺘﻪ ﻭﺳﻤﺮﻩ ومقيلا ضم ضل تمره, وحديثا ضم ضو قمره, للبلد جابريتا وككره, والحسيناب اسقه وبكره .
لاﺗﻌﻴﺪﻭ ﻓﻲ ﺍﻻﻳﺎﻡ ,, تملأ الصعاب دربي ,, ﺗﺘﻤﺪﺩ ﺍﻵﻻﻡ ﻣﻦ شرقي لا غربي!!
من يخفف آلام هذا الرجل الأصيل الموجوع المترع بالجمال , من من بعد الله لحبينا صديق ؟
إلى لقاء..

صحيفة السوداني

Exit mobile version