(فوق القانون)!

-1-
أيام مفاصلة الإسلاميِّين، كانت التصريحات الصحفية المنشورة وقتها، تُنتِجُ أحداثاً ومواقفَ جديدةً، تُضيف مزيداً من التوتر للأزمة.
ذكرتُ أكثر من مرة، أنني أتمنى الاطلاع على دراسة تحليلية للصحف، من اجتماع مذكرة العشرة إلى قرارت الرابع من رمضان.
دراسة توضح كيف لعبت الصحافة الدور الأساسي في أن يصل الصراع إلى ما وصل إليه من انقسام وانفصال بغير إحسان.
أذكر في تلك الأيام، كان صديقنا العزيز محمد عبد القادر الطباخ الإخباري الشهير، يُمسك بديسك الأخبار بالعزيزة (الرأي العام). وللشاب البدين على وسامة وقتها، طريقةٌ سحريةٌ في اصطياد الأخبار التي تصنع المانشيتات الجاذبة.
محمد كان يستنطق الدكتور علي الحاج، وهو في حالة غضب عارمة، عقب قرار حل البرلمان. الحاج صرَّح لمحمد قائلاً: (لم يعد هنالك قانون بالدولة سوى قانون المرور)!
الطريف في اليوم الثاني لتصريحات علي الحاج النارية، كنت ومحمد في الطريق إلى منزلهم العامر بالكلاكلة، وعلى تقاطع الحرية مع شارع السيد عبد الرحمن، كانت سيارة طائشة قد اقتحمت صينية المرور، فلم تترك منها شيئاً سليماً!
-2-
تذكرتُ كلَّ ذلك، وأنا أُتابع أزمة كرة القدم الأخيرة، بين اتحاد كرة القدم وناديَيْ الهلال العاصمي والأمل عطبرة، وكيف أن هنالك محاولات مستميتة لتجاوز القانون أو الالتفاف عليه بالجودية أو العصا.
تجاوز القانون تقديراً لوزن وحجم الفريقين هو تطبيق لقواعد المحاباة على فقه المرأة المخزومية التي أراد لها علية قريش استثنائها من تطبيق القانون لمكانتها الاجتماعية لا الجماهيرية!
فكان الرد من الرسول صلى الله عليه وسلم حاسماً: (أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
-3-
ستتضح الصورة لو أجبنا عن هذا السؤال والذي يليه:
ذات الموقف المنسوب للهلال الآن، لو حدث من قِبَلِ فريق آخر، فلنقل هلال الفاشر أو مريخ طابت، هل كانت أي جهة تشريعية أو سياسية ستتدخل لمنع تطبيق القانون؟!
الاعتقاد في الأساس بأن هذه القضية، ستُحلُّ بالجودية، تجاوزٌ للقانون وانحياز لطرف في الصراع وتحوير لطبيعة القضية!
فلندع السؤال السابق جانباً..
إذا كان موقف مقاطعة المباريات مرتبطاً بالأمل عطبرة وهلال كادوقلي في منافسة الدوري الممتاز الجارية حالياً، هل كانت أي جهة ستطالب بإلغاء الموسم أو حل الاتحاد؟!
بكل تأكيد لن يحدث ذلك.
ولكن إذا مضى الأمر في اتجاه أية تسوية متجاوزة للقانون، فسيفتح الباب واسعاً لأحداث ومواقف مماثلة في المستقبل القريب.
إما أن يُطبَّق القانون على الفريقَيْن الكبيرَيْن، أو أن تسود ثقافة الإفلات من العقاب، ويصبح موقف الهلال والأمل سابقة تُحتذى في قادم المنافسات.
-4-
الهلال فريق كبير وعظيم، لذا فهو الأوْلى باحترام القانون وتقديم القدوة الحسنة في الامتثال لأحكامه، حتى ولو توفرت حيثيَّات رأت فيها إدارة الهلال أن الأحكام غير عادلة.
الكرة على مستوى الميدان وفي الجوانب الإدارية محكومةٌ بالامتثال للقانون والسير عبر قنواته ولجانه حتى ولو كان الطرف المتضرر يرى فيها ظلماً وجوراً عليه.
كرة القدم داخل الميدان وخارجه محكومة بمسار قانوني واحد.
وفي ذلك، لا فرق بين ما فعله اللاعب منتصر الزاكي (زيكو) في منتصف التسعينيات، حينما حمل الكرة وأنهى مباراة القمة، وبين ما يفعله رئيس الهلال الآن الكاردينال وهو يمنع فريقه من أداء المباريات ويعلن انتهاء الموسم!

Exit mobile version