محمد لطيف : من يحمي.. الأراضي الزراعية

رغم أن نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان تبلغ نحو 45 % من مساحة السودان.. إلا أن حظ هذه المساحة من التقنين لم يتجاوز فقط خمسة مواد من كل قانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي والذي يتكون من اثنتين وستين مادة.. والأراضي الصالحة للزراعة حسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة العالمية.. الفاو.. هي تلك الأراضي التي تزرع بمحاصيل مؤقتة ومعها المروج المؤقتة للحصاد أو الرعي.. إلخ.. نسبة الخمسة والأربعين في المائة في الواقع نقصت بحوالي 1% عن الفترة ما قبل 2011.. مما يعني أن مهددات عديدة تنتاش المساحات الصالحة للزراعة.. وقد لا يكون أسوأها ذلك الذي يسمى بالتحسين.. عبر تغيير الغرض من زراعي إلى سكني.. الخلاصة أنه لا قانون ينظم استخدامات الأراضي الزراعية.. وحين تسمع كل هذا الضجيج عن الاستثمار الزراعي.. وعن دور الزراعة في الناتج القومي الإجمالي وفي الاقتصاد الوطني.. وحين تسمع الآمال العراض التي يعقدها المسؤولون والمواطنون على حد سواء.. على القطاع الزراعي.. لا شك أنك تدهش أن الأرض الزراعية.. هذه التي يعول عليها تحقيق كل هذه الآمال.. لا قانون ينظمها.. ولا قانون يحميها.. ولا قانون يقنن التعامل معها..!
تراجعت مساحات الأراضي الزراعية في ولاية الخرطوم على سبيل المثال جراء الاعتداء المنتظم عليها.. لا من قبل الأفراد فحسب.. بل حتى من قبل الدولة.. فصارت من أهم موارد الولاية رسوم فرق التحسين التي يدفعها الراغبون في تحويل أغراض أراضيهم الزراعية إلى سكنية.. والي خطط إسكانية تدر أرباحا طائلة.. على المالك وعلى الدولة على حد سواء.. حتى بدا في مرحلة ما أن ثمة تواطؤا بين تلك الأطراف على الأراضي الزراعية..!
وفي الوقت الذي ثبت فيه أن جل النزاعات التي شهدتها مناطق دارفور.. بل وبعض المناطق في شتى أنحاء السودان كانت بسبب الصراع على الأرض.. أو بسبب التعدي على الأرض الزراعية.. ولعل نزاعات القبائل وصراعاتها وحروباتها.. والدم المسفوك بين أبنائها يقف أبلغ شاهد على ما نرى.. إلا أنه وللأسف فإن الأرض الزراعية في السودان لم تجد الاهتمام الذي تستحقه.. ولا حتى الاهتمام الذي ينبغي أن تجده.. حقنا للدماء أولا.. وحفظا للثروة ثانيا.. وتأمينا للحقوق ثالثا وأخيرا..!
قانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي لعام 1994 تضمن فقط خمس مواد هي المواد 54 وحتى 58 من القانون وهي التي تتناول أسس التصرف في الأراضي الزراعية.. وعلى بؤس هذه المواد فلم تشأ أن تخوض في الأمر كثيرا.. والحال كذلك، أفلا تستحق الأراضي الزراعية قانونا يحميها..؟ قانونا ينظم العلاقة.. بين الدولة والملاك.. وبين الملاك بعضهم بعضا..؟ قانونا يحسم الأزمة المتطاولة بين المزارعين والرعاة..؟ المقيمين والرحل..؟ الدولة والمواطن..؟
وحيث أنه لا يوجد قانون يقنن العلاقة.. فالسكن العشوائي يمكن أن يتمدد في المشاريع الزراعية.. كيف ما شاء الراغبون.. وحيث أنه لا يوجد قانون يحمي الأرض.. ينظم الحقوق.. فيستطيع أي سوداني أن ينازع المستثمرين على أي موقع ويفرض شروطه هو..!
البداية.. إذن.. بقانون يحمي الأراضي الزراعية ويقننها.

Exit mobile version