خبير بوزارة الخارجية الإثيوبية: سد النهضة الإثيوبي العظيم والسودان

في العشرين من سبتتمبر 2015م كتبت المحررة إنتصار السماني خالد مقالاً في صحيفة «الإنتباهة» تحت عنوان (سد النهضة.. هل هو في صالح السودان أم في ضرره)؟. وقد انصب تركيز المحررة بصورة رئيسة على تأثير السد على السودان ومصر، خاصة من ناحية انحسار انسياب المياه وسلامة السد وعلاقة إسرائيل بالسد.
ما جاء في المقال لا يستند إلى منطق،إذ إنه يعطي معلومات مضللة ويورد اتهامات لا أساس لها من الصحة في ما يتعلق بمشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم وفوائده للسودان.
وتوضيح الحقائق حول ما أثارته المحررة إنتصار، يعد ذا أهمية قصوى لفائدة شعوب الدول الشقيقة: إثيوبيا ومصر والسودان.
انحسار سريان المياه:
يزعم بعض الكتاب في السودان ومصر والذين تنقصهم المعرفة الكافية بقضية مشروع سد النهضة، يزعمون حدوث انحسار في حجم المياه المتدفقة إلى السودان ومصر، ويجادل البعض أن انحسار حجم المياه ليس مقصوراً على المياه الجارية على سطح الأرض، بل يتعدى ذلك إلى حجم المياه الجوفية في البلدين. ولكن الحقيقة التي يتجاهلها هؤلاء الكتاب، هي أن فائدة السد تتمثل في أنه يحدث ازدياداً وتحسناً في حجم ونوعية المياه المنسابة أسفل النهر.
إن عملية تشييد سد النهضة الإثيوبي العظيم، تتم في ممر عميق وضيق بإثيوبيا، وإحدى محاسن هذه الميزة الجغرافية الخاصة بموقع تشييد السد، تجعل منه مشروعاً حيوياً وذا فوائد عظيمة. وإضافة إلى عوامل أخرى، فإن موقعاً كهذا يجعل السد مفيداً في الاحتفاظ بحجم أكبر من المياه في حيز محدود.
السدود في السودان ومصر مشيدة في مواقع واسعة ممتدة، ولذلك فإنها معرضة لعوامل صحراوية تؤثر كثيراً على خفض حجم المياه بسبب ارتفاع درجة التبخر، ونتيجة لهذا تشير الدراسات إلى فقدان من 10 بلايين إلى 16 بليون متر مكعب من المياه على الأقل في مصر والسودان على مدار السنة.
وعلى النقيض، فإن تشييد السدود في إثيوبيا يمثل خزاناً للمياه بالنسبة لدول المصب لأن السدود (في إثيوبيا) تقع على ارتفاعات عالية حيث ينخفض معدل التبخر إذا ما قارناه بالوضع في مصر والسودان.
وفي هذا الخصوص، فإن سد النهضة الإثيوبي العظيم سيعمل على استقرار وتنظيم انسياب المياه أسفل النهر، وهذا يعود بأكبر فائدة للسودان حيث يساعد في تحسين أداء محطات الطاقة المائية وزيادة مساحة الأراضي الزراعية فيه.
هذا إلى جانب فائدة سد النهضة في حجز الرواسب التي يمكن بطريقة ما أن تعوق أو تدمر الحياة في السودان أثناء موسم الفيضان كل عام. فعلى سبيل المثال، نهر أباي(النيل الأزرق) يحمل حوالي 75% من مجمل الرواسب التي يحملها حوض النيل من إثيوبيا. هذه النسبة (75%) تعادل ما بين «150» مليون إلى «207» ملايين طن من الرواسب سنوياً. ووفقاً لدراسة تسفا«2013»، فإن اكتمال تشييد سد النهضة سيقلل من كمية الرواسب السنوية التي يحملها النيل الأزرق بنسبة 86% من الكمية البالغة «126,5» مليون طن الواردة إلى السودان سنوياً. هذا سيساعد السودان على توفير حوالي 50 مليون دولار أمريكي سنوياً والتي كان سيصرفها في نظافة قنوات المياه، هذا علاوة على خفض تكاليف صيانة التوربينات وما شابه ذلك من المنصرفات.
ومع ذلك هناك أثر مؤقت يتعلق بعملية ملء الخزان، وهو انخفاض خفيف لا يذكر في انسياب المياه. وبرغم هذا تعمل الدول الثلاث إثيوبيا السودان ومصر على تخفيف أي أثر كبير. ولكن عند الفراغ من عملية ملء الخزان سينتظم جريان النهر وسيزداد انسياب المياه في موسم الجفاف، بعكس ما كان عليه الوضع سابقاً قبل تشييد السد، عندما كان انسياب المياه ضعيفاً جداً أثناء موسم الجفاف.
سلامة السد:
كاتبة المقال إنتصار السماني خالد، نقلت عن خبير المياه د.سيف قوله إن أخطر كارثة هي أن سد النهضة يقع في منطقة الأخدود الإفريقي العظيم، وهي منطقة محفوفة بالزلازل والصخور البركانية. هذا الافتراض لا أساس له من الصحة ويجعل تعليق الخبير المائي غير مؤسس. وحقيقة هذا التعليق المراد به فقط إدخال الخوف في قلوب السودانيين بأن الزلازل والانفجارات البركانية التي تحدث في المنطقة ربما تتسبب في انهيار السد. غير أن الحقيقة على أرض الواقع وكل البراهين العلمية تثبت عكس ذلك. صحيح أن الأخدود الإفريقي العظيم يمر عبر إثيوبيا ولكنه بعيدٌ جداً عن موقع تشييد السد. هذا بخلاف أن أحد شروط بناء السدود الضخمة هو ما إذا كان هذا السد سيشيد على أرض صخرية قوية غير قابلة للتفتت أم لا. سد النهضة يشيد على منطقة صخرية تعود تركيبتها إلى ما قبل العصر الكمبري، وهذا يجعل بناء السد مستوفياً كل مطلوبات السلامة، بل أكثر من ذلك.
فيما يختص بالزلازل يحتل السد موقعاً في منطقة النوبة،إذ تشير بيانات سجلت خلال أكثر من 110 سنوات إلى عدم حدوث نشاط زلزالي في هذه المنطقة. هذا يعني عدم حدوث تصدع أو تشوه داخلي في موقع السد يمكن أن يؤدي إلى انهياره.
وعلى نحو أصح يشيد السد على أرض ذات تركيبة ثابتة معمارياً. وهذا أحد شروط بناء السدود.
وقد أكد د. عثمان أحمد أن سلامة السد قد تمت دراستها سلفاً بواسطة خبراء عالميين ولجنة من الاختصاصيين، وإن موقع السد بعيد جداً عن مناطق الزلازل في إثيوبيا. وبناء سد النهضة نفسه يقوم على أساس تكنولوجيا حديثة ومقاييس بناء عالمية. وبما أن بناء السد يتم وفقاً لعقد Engineering, procurement and construction contract والذي يسمح بإدخال أي تغيير ممكن لتدعيم تصميم السد وتحسين مستوى تشييده، تأتي سلامة السد في مقدمة الأجندة الخاصة بالمشروع. فالمعامل التي تم تركيبها في موقع السد واستعمال معامل التكنولوجيا الحديثة في الدول المتقدمة للتحقق من النتائج (المرجوة) ما هو إلا دليل على حرص إثيوبيا الشديد على سلامة السد لتحقيق الفائدة لها. ولقد أبدت لجنة الخبراء العالمية رأيها حول عملية بناء السد بأكملها وثمنت هذا العمل.
علاقة إسرائيل:
إسرائيل ليست من الدول الواقعة على ضفاف نهر النيل، ولكن لقد أصبحت قاعدة سلوكية في مصر وإلى حد ما، لدى عدد قليل من الصحافيين والأكاديميين في السودان أن يدَعو ربط إسرائيل في شؤون حوض النيل. ويمكن القول إن هذا الاعتقاد ربما كان نتيجة لنقص المعلومات وضعف المعرفة بمشاريع المياه المنشأة أعلى النهر والهدف من إنشائها، وربما لم يكن للكتاب معلومات عن المفاوضات التي استمرت لأكثر من 10 سنوات بين كل الدول الواقعة على ضفاف نهر النيل بما فيها مصر والسودان وذلك لصياغة اتفاقية حوض النيل والتي توجت بالتوقيع على CFA (الاتفاقية الإطارية الشاملة). ولكن بالنظر إلى مناصب وتجارب وثقافة الكتاب وانتماءاتهم، يمكن الحكم بأن اعتقادهم بربط إسرائيل في قضية النيل ما هو إلا حركة مدمرة، الهدف منها صرف انتباه الشعب عن السلام، ومشاعر الإخوة.
إن السعي لإقامة ارتباط بين إثيوبيا وإسرائيل، في قضية سد النهضة أو أي مشروع مائي آخر، قد أصبح هدفاً سياسياً لبعض العناصر أو الفئات المدمرة، يقصد به إثارة الحساسية حول القضية لممارسة الضغط على حكومتي السودان ومصر لتعكير صفو علاقاتهما بإثيوبيا. هذا الإفتراض الذي لا أساس له من الصحة ولا يساعد على نمو روابط الإخاء التي ظل السودان وإثيوبيا يعملان على تعزيزها لتحقيق الفائدة لشعبيهما.
إن الحقيقة التي يجب أن تكون واضحة لشعبي السودان ومصر، هي أن إسرائيل ليس لها دخل في شؤون حوض النيل بأي وسيلة من الوسائل. إسرائيل لا تدعم إثيوبيا في مشروعاتها السدية بأي طريقة. إثيوبيا تعكف على بناء سد النهضة بجهودها لتخرج شعبها من الفقر المدقع.
هناك العديد من الفوائد التي يحققها السد للسودان، وهذه الفوائد تشمل الآتي:
> يمكن للسودان أن يزيد من مساحته من الأراضي الزراعية المروية، وذلك بفضل الإنسياب المنظم للمياه.
> يمكن للسودان أيضاً أن يعزز إنتاجه من توليد الطاقة بخزانات الرصيرص وسنار ومروي بأكثر من 2657GWh/year جيغا واط سنوياً.
> عند تشغيل السد سيستفيد السودان من شراء الكهرباء بأرخص سعر لأن السد عند تشغيله سيولد 6000 ميقا واط من الكهرباء والتي سينتفع منها ليس إثيوبيا فقط، بل الدول المجاورة أيضاً وخاصة السودان. ومن المعروف أن السودان وإثيوبيا سيستفيدان من إنتاج مشروع الربط الكهربائي الذي أسساه معاً. وهذا سيعزز التكامل الإقليمي بينهما وسيدفع بعجلة التنمية والرفاهية في البلدين لفائدة شعبيهما.
> عند اكتمال السد وتشغيله سيوفر السودان ملايين الدولارات سنوياً، كان سيصرفها في نظافة القنوات المائية وصيانة التوربينات.
ولهذه الأسباب فإن الاتهام بأن إثيوبيا تعكف على بناء السد لأسباب سياسية، هو اتهام باطل لا معنى له ولا أساس.
إن بناء السد يهدف إلى اجتثاث الفقر من البلاد وتعزيز التعاون الإقليمي والتكامل مع دول المنطقة.
وبناءً عليه، يجب التأكيد على أن دول المصب في حوض النيل هي المستفيدة من سد النهضة بطرق عديدة. ومن ثم فإنه من المهم التركيز على تعزيز روابط الإخوة والثقة بين الدول الثلاث بدلاً عن زرع بذور السخرية وإثارة الشكوك بينها.

بلال حسين أحمد
* خبير إثيوبي للمياه بوزارة الخارجية الإثيوبية

الانتباهة

Exit mobile version