رجل اعمال سوداني يرفض دفع اجرة “رداحتين” استأجرهما لبكاء صهره بحجة إن بكاءهما لم يعجبه

أوردت صحيفة (الإهرام اليوم) في عددها أول أمس، عن أن سيدتين رفعتا قضية مدنية ضد رجل أعمال استأجرهما لبكاء صهره ورفض دفع أجرتهما، مما دفعهما للتقدم بعريضة للنيابة تطالبان بحقهما. وقالت الشاكيتان في بلاغهما بأن المتهم استأجرهما «لتسخين البكاء والنواح» لمدة ثلاثة أيام مقابل خمسة آلاف جنيه. وعقب انتهاء الفترة المحددة رفض دفع المبلغ بحجة إن بكاءهما لم يعجبه، فاتخذت النيابة إجراءاتها بالحادثة.

> المعروف إن ظاهرة مهنة «البكّايات» لم تعرفها البلاد، وربما في خلال السنوات القليلة القادمة. وكنت أظنها نوع من أحاديث المدينة وشبيهة بأكاذيب «الواتساب» إلا عندما قرأت الخبر من خلال الصحيفة، لكن الظاهرة معروفة عند إخواننا في شمال الوادي (مصر)، فهناك «رداحات» كثرات وبعضهن لديه خبرة طويلة في مجال العويل والصراخ والقدرة على نسج السجع لإظهار محاسن المرحوم، بل والمبالغة فيها. فمثلاً قد يكون من كبار «الحشاشين» فتصفه الرداحة (يا لهوي عليك من الصبح في المسجد وفي الليل مش بتنام من بعد صبح الرحمن، يحدفوكم بالكلام الوحش تحدفهم بالحلاوة والرومان). وقد يكون المرحوم من مدمني الخمور ومرتادي الكبريهات فتنعته الرداحة بـ(يا كبدي ما فتحت ع الدنيا ما تعرفش غير الباشات الكرام، وما بتعرفش كلام اللئام، ريحتك زي الفل وتفرح للكل).

> أما في السودان فمن المتوقع إذا انتشرت هذه الظاهرة إن يكون لها سماسرة معروفين ينتقون لطالبي الخدمة «الرداحات» وفق مقدراتهم المالية. فالرداحة التي تجيد نسج السجع البكائي، ولها «حلقوم» سنين لا يفتر ولا تنقرش حبالها الصوتية إلا بعد ساعات طويلة من الردح المستمر، يكون سعرها أعلى من غيرها وربما يكون هناك رداحات متخصصات فقط في الصراخ عند قدوم الجنازة بغرض لفت انتباه الحاضرين أوالعابرين أوالجيران البعاد نسبياً، وعادة ما تتمتع هذه الرداحة بصوت قوي يصم الأذان ويثير أشجان وأحزان المعزين، كذلك من الممكن أن يكون هناك نوع ثالث من الرداحات مهمتها البكاء بصوت منخفض والتمثيل أمام الجميع بإبداء محاولة تهدئة زميلاتها الرداحات عندما يتعبن من العويل والصهيل والتدجيل السجعي حتى يرتحن (استغفري.. استغفري يا بت أمي عاد البكا بجيب الميت تاني كلنا ما رايحين).. وهنا ينفجرن من جديد لكن سرعان ما يهمدن فجأة مثل لوري «التيمس أبو قدوم» عندما ينقطع عنه فجأة سير الموتور.

> وطبعاً سيمد سمسار الرداحات الزبائن بصور ملونة لهن فمنهن الجميلة «بتاعت السجع» ومنهن الصارمة ودي طبعاً «بتاعت السكلي» للجنازة في الدخول والخروج الأبدي للمقابر.

> وستكون الأسعار بالساعة وتنقسم الساعة حسب الأهمية. فمثلاً دخول الجنازة سعر وخروجها سعر أعلى وبقية الساعات موحدة، وطبعاً ما في زمن أضافي عند قدوم معزين جدد فالحكاية كلها بزنس في بزنس، ومن يدري ربما بعد قضية البكايات الأخيرة قد يطالب السمسار بتدبيج عقد عمل طارئ يوقع عليه طالب الخدمة مع الشهود، واحتمال كمان يطالب السمسار لحماية مخدمته الرداحة بحجز البطاقة الشخصية تماماً مثل إيجار اللموزين، وقد يحتوي العقد شروطاً جزائية عند إلغائه فجأة وذلك بعدم رد المقدم ودفع غرامة أضافية، وربما حوى أيضاً شروطاً لتقديم طعام نوعي للرداحات يحوي مجموعة من الفايتمينات ومشروبات فاخرة لتطريب الحنجرة واكتساب الطاقة للردح.

> وعندما تصبح ظاهرة الرداحات مهنة شهيرة، ستطل المحليات برأسها وأياديها الجبائية، وطبعاً دي ما فيها إيصال إلكتروني باعتبارها مصروفات تسيير وبس، وسترسل مندوبيها إلى أماكن البكاء بحثاً عن وجود محتمل للرداحات، خاصة في حارات المرطبين، الأمر الذي سيزيد من قيمة تعاقد الردح، حتى إن السمسار سيقول لطالبي الخدمة عندما يطالبون بتخفيض سعرها قائلاً (يا جماعة نحن بندفع دم قلوبنا للمحلية ونسوانا ديل خلاص فتروا من الدفع مع إنهم مساكين وارامل ومطلقات. الناس ديل ما عندهم رحمة آهـ نعمل شنو ما لازم كمان نضيف رسوم الجباية دي للخدمة نحن برضو بندفع كمان أكتر منهم)!. وهنا لن يجد السيد الوجيه بداً من الدفع فهو على عجلة من امره ويخرج من جيبه رزمة من البنكتوت ويعدها سريعاً ويدفعها للسمسار ويقول (ما نوصيك نحن عايزين شغل كويس يبيض وشنا مع الناس) ويرد السمسار (على الطلاق ديل لمن تسمعهن تصدق إنو المرحوم ده وليّ عديل).
> أخيراً يا نسوان يا رداحات انتو عارفين مهنتكم دي مخالفة للشريعة الإسلامية، وكان ما عارفين أسألوا مولانا.

احمد طه الصديق
الانتباهة

Exit mobile version