موازنة 2016.. فك حبس الأنفاس

في ظل الجدل والترقب بشأن رفع الدعم عن (الكهرباء والقمح والمحروقات) سربت السلطات (أمس) في نطاق محدود ملامح موازنة 2016، لينتهي ماراثون طويل من الشد والجذب بين الرأي العام ووزارة المالية والبرلمان، حيث أكد فيها  الإبقاء على دعم القمح والبترول والكهرباء ولا زيادة في الضرائب والجمارك.
ويناقش مجلس الوزراء في جلسته اليوم (الثلاثاء) مشروع موازنة 2016 توطئة لإيداعها منضدة البرلمان مساء غدٍ (الأربعاء)، حيث تخضع للمداولة من قبل النواب قبل إجازتها المتوقعة خلال عشرة أيام، وبلغ حجم الموازنة (67.5) مليار جنيه، ويبدو أن الحكومة عدّلت عن قرارها برفع الدعم رغم أنه  لم يكن أمامها غيره تكملة للخطة التي اتخذتها، بالتدرج في رفع الدعم عام 2013، ربما أجلت الخطوة تحت الضغط الشعبي وتهديد البرلمان بعدم تمريرها، رغم تمسك الدولة بسياسة إعادة هيكلة الدعم التي أقرتها كسياسة عامة للإصلاح الاقتصادي.
وكان وزير المالية والتخطيط الاقتصادي “بدر الدين محمود” قد قال إن رفع الدعم سيسهم في توفير الموارد اللازمة، لتوجيهها للإنتاج الزراعي والصناعي، وزيادة الأجور ودعم الأسر الضعيفة. وأطلق الوزير عبارته المثيرة للجدل بقوله (الشعب السوداني يستهلك أكثر مما ينتج، ويستورد أكثر مما يصدر). واستعجل الوزير الدولة في تنفيذ سياسة رفع الدعم باستغلال فرصة انخفاض السلع عالمياً، ونبه  إلى أن سياسة رفع الدعم أقرها البرلمان بالتدرج في السابق، مشدداً على ضرورة التخلص بسرعة من دعم الاستهلاك والسلع، وتحويله إلى دعم الشرائح الضعيفة، وبالفعل جاءت ميزانية 2016 بزيادة  الأسر المستفيدة من الدعم من (500) ألف إلى (600) ألف أسرة، وتوجيه (20%) من الميزانية للدعم الاجتماعي و(9.2) مليار جنيه اعتماداً في الموازنة في السلع المدعومة، بينها (2.1) مليار جنيه لدعم الكهرباء.
رغم أن السلع الإستراتيجية (الجازولين والبنزين والغاز والقمح) تحظى بدعم  يشكل (13%) من الإنفاق الحكومي، إلا أن الميزانية أكدت عدم وجود أي إجراءات لرفع الدعم عنها، كما خلت  الموازنة من أية زيادة في الضرائب أو الجمارك أو أي تعديل في الهياكل الجمركية والضرائبية، وفتح فرص جديدة لتشغيل الخريجين، ودعم (2.3) مليون أسرة من مصارف الزكاة المختلفة و(250) ألف أسرة من هيئة الأوقاف الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني، والاستمرار في كفالة (230) ألفاً من الطلاب الفقراء في التعليم العالي، والاهتمام بالرعاية الصحية الأولية بتخصيص (286) مليون جنيه للرعاية الصحية الأولية والاهتمام بالخدمات الأساسية للمواطنين مثل حصاد المياه وحفر الآبار والتعليم الأساسي ومحو الأمية، حيث خصص مبلغ (4) مليارات جنيه للخدمات الأساسية بولايات “السودان” المختلفة، منها (1.5) مليار جنيه للولايات و(2.5) مليار جنيه عبر صناديق إعمار “دارفور” والشرق وصندوق دعم السلام بجنوب “كردفان”، والاستمرار في العلاج المجاني بحوادث المستشفيات والعلاج المجاني (2) للأطفال دون سن الخامسة، ودعم الشرائح الضعيفة وذوي الإعاقة وذوي الحاجات الخاصة، والاهتمام بالإسكان الشعبي لتبلغ اعتمادات مشروعات الدعم الاجتماعي حوالي (20%) من إجمالي اعتمادات موازنة العام المالي.
وطمأن وزير الدولة بالمالية “عبد الرحمن ضرار” بأن أهم ملامح الموازنة قائمة على حقيقة دون فرض أي ضرائب إضافية، وأكد في تصريحات أمس (الاثنين) أنه لا وجود لاتجاه لزيادة أسعار الكهرباء في الميزانية رغم أن إعادة هيكلة الدعم سياسة عامة للحكومة مع ذلك لا توجد إجراءات في ميزانية العام القادم لزيادة أسعار البنزين أو الجازولين.
ودخلت قوى المعارضة على الخط بتحذيرها من أن رفع الدعم من شأنه أن ينعكس على كافة الأوضاع، بداية من زيادة أسعار الوقود والمواصلات والسلع الاستهلاكية ورسوم الخدمات، مذكرة  بأحداث سبتمبر التي انفجرت 2013 في ظل أوضاع لم تكن ببعيدة عن الوضع الراهن، إذ خرجت احتجاجات عفوية وقتها لقي خلالها عشرات المواطنين مصرعهم.
ولعل تقلبات الأوضاع الإقليمية ستكون أكثر تأثيراً وتحدياً أمام موازنة 2016 حيث حذر الخبير الاقتصادي وكيل وزارة المالية الأسبق دكتور “الشيخ المك” أمس من أن زيادة الإنتاج والإنتاجية وزيادة سلع الصادر وخفض الواردات فضلاً عن ميزان المدفوعات يعاني بعض الصعوبات بحسب “الشيخ المك”، مشيراً إلى أن رفع الدعم عن المحروقات والقمح لم يتخذ، لكن أرجئ لحين انتظار أي زيادات في أسعار النفط عالمياً، مستبعداً وصول أي قروض خارجية وقال إنها غير متوقعة وإن أتت ستكون في شكل ودائع، وطبعاً الودائع شروطها قاسية على حد قوله.
وعلى المستوى العالمي فإن سلع القمح والنفط شهدت انخفاضاً كبيراً إلى أدنى مستويات قياسية خلال السنوات الماضية، فالقمح بنسبة (50%)، والبترول انخفض بواقع (60%).
ويرى الخبير الاقتصادي د.”عز الدين إبراهيم” في حديثه سابقاً لـ(المجهر) أن الوقت الآن مناسب لتحرير الأسعار ورفع الدعم عن هذه السلع، باعتبار أن أسعارها انخفضت عالمياً، وطالب في ذات الوقت أن يحدث تدخل من قبل الدولة لإدارة هذه السلع، والحفاظ عليها في الحد الأدنى والأعلى، حتى لا يحدث انفلات في الأسعار لاحقاً.
ويرى أن حدوث تحرير في هذه السلع قد يؤدي إلى وفرتها، ووصف ما سيحدث بالدواء المر، وقال إذا حدث ارتفاع في الأسعار، فبالتأكيد سيحدث انكماش في الشراء، وبالتالي سيؤدي إلى تدني السعر، ويرى “إبراهيم” أنه لا يوجد دعم  للبترول والقمح بالصفة التي تستدعي التخوف من رفعها، ويوافيه في ذات الزعم الخبير الاقتصادي “الشيخ المك” الذي أكد أنه لا دعم للمحروقات في الوقت الراهن، لأن أسعارها انخفضت. وفيما يتعلق بالكهرباء يقول “عز الدين إبراهيم” إن جزءاً كبيراً منه يذهب للفيرنس وهو مدعوم دعماً كاملاً، فيما تذهب استعمالات الكهرباء إلى أغراض عدة، وأضاف لا يمكن أن تدعم الدولة الكهرباء، وتستفيد منها شركات الإعلانات وصالات الأفراح، وقال إن حجم السكان قد زاد بكمية كبيرة مؤخراً، مما أدى إلى زيادة الاستهلاك.

 

 

المجهر السياسي

Exit mobile version