ما بين الصفقة والصفاقة شعرة

نسبة للخطأ في عنوان (عمود) الأمس، نعيد نشره اليوم تحت عنوانه الصحيح مع الاعتذار للأعزاء القراء.
لست مع النائبة عفاف تاور في اقتراحها بمنع النواب من التصفيق (على إطلاقه)، ولا مع رئيس البرلمان الذي امتدح الاقتراح وأجازه، فمن حق أي إنسان – في أي موقع كان – أن يعبّر عن ما يجيش بنفسه سلباً أو إيجاباً تجاه ما يسمعه أو يشاهده أو يقرأه، ولهذا الحق في التعبير وسائل وطرائق عدة منها (الصفقة)، كما أن التعبير عن الشكر والتقدير بأي من وسائله ليس حقاً لمن يمارسه فحسب، وإنما هو كذلك مطلوب في حق من يستحقه، فإن كان محسناً ليزيد في إحسانه، وإن كان مخفقاً ليحسن من أدائه، وعليه فإن منع التصفيق هكذا جملةً وتفصيلاً يعتبر خرقاً لحق إنساني فطري وتلقائي، وحجراً وكبتاً لحرية التعبير في وجه من وجوهها، وما يمكن أن نوافق عليه هو منع التصفيق عندما يلامس حدود الصفاقة التي لا يفصله عنها سوى شعرة.
قبل عدة سنوات، قابل أعضاء البرلمان خطاب الزيادات الذي ألقاه على مسامعهم وزير المالية وقتها، بالسمع والطاعة والسعادة الغامرة والأسارير المنبسطة والمحيا الطلق، لدرجة جعلت أكفهم تنطلق لا إرادياً في صفقة داوية؛ ارتجت لها جنبات القاعة، وهذا هو أحد أمثلة (التصفيق) المزموم واجب المنع، الذي يؤذي مشاعر الشعب ولا يجب أن يتورط فيه من يفترض أنه يمثل الشعب وينوب عنه، إذ كيف لبرلماني أن «يتكيف» أربعة وعشرين قيراطاً، ويطرب ويصفق لكارثة كهذه ويمررها في غضون نصف ساعة، استغرقت «الصفقة» نصفها، وكيف له أن يرضى لنفسه بدلاً من أن يربأ بها، من أن يصبح مجرد «مساعد ياي» و«ملعب رديف» للحكومة، وأن يقنع بدور الكورس مع الفنان و(الصفاقي) مع الطنباري، ورحم الله الفنان الكردفاني إبراهيم موسى أبّا، الذي غنّى «أدوكي للطنباري سرّح قجيجتو وجاكي.. ما دوّامة الله هوي الدنيا ما دوّامة».. لا بأس أن يصفق البرلمانيون لمن وما يستحق التصفيق حقاً وفعلاً، ولكن واجبه الأوجب أن يلاحق الحكومة بالرقابة والأسئلة والاستجوابات و(فلفلة) القرارات والسياسات، لا أن يدعها تتخذ كامل زينتها عنده، فعندها مهما كان شكلها قبيحاً إلا أنها ستجد ما يزينها تحت قبته، فتذهب إليه مطمئنة وكأنها ذاهبة إلى «الكوافير» لتتجمل، وقبل ذلك تغسل ما علق بها بحمام جاكوزي ومساج على أيدي صبيات صينيات يهدئ أعصابها ويجعلها «ريلاكس»، مرطبة ونايرة ومنتشية، وآخر راحة وحلاوة، فتعود كيوم ولدها «الانقلاب»، عفريتة وشقية وربما دندنت بأغنية «كوتو موتو يا حلوة يا بطة، والنبي حارسك يا ختي يا أُطة، يا صغنن بوسة لأمك، يا خواتي يسلم فمك»، وهاك يا قرقرة حد الفرفرة، بينما يتعالى صوت من على المنصة يستحث الجمع المزيد من التصفيق «النقدة النقدة، الصفقة وين»، ولا عزاء للفنانة عوضية عذاب.

Exit mobile version