فـي عيـد ميلاده الـ (80): الصادق المهدي..سنة حلوة يا جميـل!

لم يحدث يوماً أن تعرفت السياسة السودانية على رجل يشبه هذا الرجل، في نفوره الجذاب، وحضوره المربك، كونه رجل يغشاه غموض الصمت والتباسه، وله هذه القدرة الخرافية على خلق حالة من الإرتباك الجميل، بمواقفه السياسية وتنقضاته الداخلية والخارجية، حتى لو كان ذلك وهو يلفظ إحدى تلك الكلمات المتقاطعة، التي يتسلى بإختيارها حسب المناسبة، ويوم الجمعة القادمة سوف يحتفل بالشمعة رقم (80)، إنه زعيم الإنصار ورئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي، فالكتابة عن هذا الرجل ما هي إلا عبارة عن حالة ضوئية في عتمة الحروف، كونه يستطيع إدخال الكهرباء إلى دهاليز الورق الأبيض، بما يسطره من تاريخ عريض، لسيرة ذاتية تشبه في وقعها عودة التيار الكهربائي في القرى النائية.

عيد ميلاد الإمام في القاهرة

مشاعر دراج
درج أبناء وبنات الإمام الصادق المهدي الإحتفال بعيد ميلاده في الخامس والعشرين من ديسمبر في كل عام، حيث يبلغ في هذا العام عمره الثمانين ويحتشد الانصار والاقارب والمعارف ووسائل الإعلام في ذلك اليوم من كل عام كما تعلو الكلمات من قيادات الحزب وأبناء الامام عن مولده وتاريخه وعطاءه حتى هذا اليوم، بينما يتخلل البرنامج بعض الأغنيات التي تعطر المكان وترسم البهجة على وجوه الحاضرين، وفي الختام دوماً يلقي الإمام كلمته التي تنزل على المحتفلين برداً وسلاماً كما تكون بمثابة روشتة يجب صرفها حتي يلتئم الجرح من حكمة المفكر الذي دائماً يضع الحلول الناجعة لأزمات البلاد للخروج من النفق المظلم كما يرى بعيون تختلف من عيون الشخص العادي بل أبعد بكثير, بالإضافة إلى إنه يقدم مصلحة الوطن فوق كل المصالح الضيقة.
وهذا هو العام الثاني الذي يحتفل فيه الامام بعيد ميلاده بقاهرة المعز وخارج البعقة الامدرمانية مسقط رأسه وفي العيد الماضي قال الامام الصادق المهدي (مع انني اخطط للتقاعد والاشتغال بالفكر والعمل الدولي عندما اطمئن لصلابة مؤسساتنا في الكيان والحزب فان بعض الناس وهم يلمسون دلائل العطاء بدل حث الشباب للانتفاع بالقدوة قبل فوات الاوان وطلب الاستزادة لمصلحة المجتمع تجدهم يحاولون اثبات همتهم ), وقال (اذا طال عمر المرء في غير افة افادت له الايام في كرها عقلا ) وربما حديثه السابقة له دلالات او قرارات اتخذها الامام من خلال بقاءه بالخارج كما هناك من يري ان الامام قرر الابتعاد عن السياسة ويتجه في توريث خلافه له بالحزب بينما قال ايضا ان النظام الحاكم قد قضي نحبه ولابد من نظام جديد نحققه اما عبر حوار كما في كوديسا جنوب افريقيا او اذا تخندق النظام بالعناد والانفراد فوسيلتنا انتفاضة شعبية تحقق مطالب الشعب ويري زعيم الانصار منذ اعوام عديدة ان لمخرج للبلاد من مازقها الا عبر حوار شامل بدون استثناء لأي حزب بما فيها الحركات المسلحة ينتج عنه حكومة انتقالية بنهايتها يعقد مؤتمر دستوري لحل جميع قضايا البلاد, ويتوقع البعض ان تتناول كلمة الامام في عيد ميلاده هذا العام رسائل من قاهرة المعز رسالة الاولي للحكومة بان تكون جادة في طرحها للحوار بدون استثناء لاي حزب أو حركة مسلحة للوصول لاتفاق يرضي جميع القوي السياسية المدنية والمسلحة كما يلبي طموحات الشعب السوداني , كما يتوقع ان تكون الرسالة الثانية تطمينات لحزبه بالالتفاف حول بعض وتوحيد كلمتهم من خلال تماسكهم خاصة وان حزبه من اعرق الاحزاب, ويتوقع ان يتحدث عن المحيط الاقليمي وتاثيره علي البلاد وان أي صراع او زعزع للامن في أي دولة من دول المجاورة للسودان ستؤثر علي امن واستقرار البلاد.

هيئة شؤون الأنصار:
الإمام الصادق شخصية متفردة في هذا العصر

أحمد كفوته

في هذا الصدد يقول الأمين العام لحزب المؤتمر السودني عبد القيوم عوض السيد أن هذه المناسبة تأخذ بعدها بين عدد من الجوانب منها السياسية والإجتماعية، وأضاف عبد القيوم في حديثه لـ(ألوان) أمس، هي مناسبة جيده للإمام الصادق المهدي، لكن الأمام قد بلغ من العمر(80) عاماً، وقال: الأمام حاضر فعلياً وذهنياً وسياسياً وفكرياً وعلى مستوى الحركة والنشاط، ولكن هي سانحه طيبة للإمام لترتيب أوضاع حزب الأمة لتوصيله للمؤتمر العام، وأوضح: أنه في حال ترك الأمام للعمل التنفيذي والإداري المباشر للسياسة وإستقراره إستقرار دائم للنشاط الفكري والعمل على ترتيب أوضاع حزب الأمة والدفع بها إلى الامام سوف ترس رسائل مهمة للأجيال القادمة وحتى الأحزاب السياسية، مبيناً أن الوريث المناسب لحزب الأمة في خلافة الإمام من قيادات حزب الأمة هو ما يختارة حزب الأمة وقواعده بالإجراء الإنتخابي، وأكد عبدالقيوم على أن الصادق المهدي ظل يمثل حضوراً في الساحة السياسية ومبادر ومؤثر في مجريات السياسة السودانية وزعيم له وزنه بغض النظر عن إختلافنا معه، مبلغاً تحياته له بدوام الصحه والعافية، فيما يذهب الأمين العام لهيئة شئون الأنصار عبد المحمود أبو بأنه ليس في المقام الذي يعطيه في تقييم السيد الإمام الصادق المهدي لا عمرا ولا علما ولا عطاء اسأل الله أن يحفظه ويسدد خطاه حتى يحقق الأهداف التي نذر حياته لتحقيقها وطنيا واسلاميا، وأضاف في حديثه لـ(ألوان) أمس، السياسة ليست منصبا وإنما هي مجموعة أنشطة يقوم بها الإنسان لرفع وعي الناس وتفجير طاقاتهم لتحقيق مصلحتهم الدنيوية والاخروية، وتابع: هي تشمل النشاط الفكري، وتقديم أفضل الحلول للأزمات، وبث الثقافة التي تحافظ على تماسك المجتمع، وتوعية الناس بحقوقهم وواجباتهم، وتقديم برامج وحلول لأزمات البلاد السياسية، مضيفاً لا أدري كيف يعتزل هذه الأعمال من له القدرة على العطاء، ويرى المقتنعون بأفكاره بأنه يعتبر أفضل شخص لقيادتهم، مبيناً أن الإمام الصادق اختارته مؤسسات تمثل شريحة اجتماعية كبيرة في السودان فهي صاحبة القرار في بقائه أو اعتزاله؛ وأي حديث خارج هذه المؤسسات يعتبر أماني يسأل عنها أصحابها، مؤكداً أن مؤسسات الحزب هي صاحبة القرار في شغل أي موقع مشيراً إلى أن الفلسفة التي يعتمد عليها الكيان بشقيه ليس فيها مجال للوراثة، وكل الأمور تتم بالاختيار والرضا وفق أسس محكمة ينص عليها النظام الأساسي للمؤسسات، قائلاً في حقه اسأل الله أن يطيل عمر الإمام ويبارك فيه ويحفظه من كل مكروه، وزاد الإمام الصادق، شخصية متفردة في هذا العصر فهو إنسان بمعنى الكلمة من الموطئين أكنافا الذين يألفون ويؤلفون، وعالم موسوعي، ومفكر يستشرف المستقبل، ومهتم بأمور الأمة ومحبوب من الناس، ومعلوم أن محبة الناس من محبة الله، إنه مفكر يلتزم بمايقول، ولايوجد تناقض بين أقواله وأفعاله، وخلاصة القول إنه إنسان عالم متسامح مفكر، قام بعمل مهم في الماضي وطنيا وإسلاميا، وسيقوم بدور أكبر مستقبلا بإذن الله، ومن جانبه تمنى القيادي بحزب البعث العربي الإشتراكي محمد ضياء الدين دوام الصحة والعافية للإمام الصادق المهدي بمناسبة عيد ميلاده.

الصــــادق المهـــدي.. رجـل يخطـف الأبصـار

أكرم الفرجابي

الكتابة عنه حالة ضوئية في عتمة الحروف، كونه يستطيع إدخال الكهرباء إلى دهاليز الورق الأبيض، بما يسطره من تاريخ عريض، لسيرة ذاتية تشبه في وقعها عودة التيار الكهربائي في القرى النائية، إنه زعيم الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي الذي يحتفل في الخامس والعشرين من ديسمبر الجاري، بعيد ميلاده الثمانين، ونسبة لهذه المناسبة التي إعتاد الإمام على الإحتفال بها، رأت (ألوان) أن تستعرض بعضاً من سيرته الذاتية الحاشدة بالعطاء.

صرخة الميلاد:
ولد الإمام الصادق المهدي في الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1935، بالعباسية بأم درمان، جده الأكبر هو محمد أحمد المهدي القائد الذي أسس الدعوة والثورة المهدية في السودان، وجده المباشر عبد الرحمن المهدي ووالده السيد الصديق المهدي ووالدته هي السيدة رحمة عبد الله جاد الله ابنة ناظر الكواهلة، توزعت رحلة التحصيل العلمي للصادق المهدي بين مسقط رأسه والعاصمة الخرطوم وكلية فيكتوريا بالإسكندرية بمصر وجامعة أكسفورد ببريطانيا، حيث درس الاقتصاد والسياسة والفلسفة، ونال تلقائيا درجة الماجستير بعد عامين من تاريخ تخرجه، حسب النظام المعمول به في جامعة أكسفورد، بعد تخرجه عمل موظفا بوزارة المالية 1957م، وفي نوفمبر 1958 استقال عن الوظيفة لأن انقلاب 17 نوفمبر كان بداية لعهد يرفضه، عمل بعد ذلك مديرا للقسم الزراعي بدائرة المهدي، وعضوا بمجلس الإدارة، كما كان رئيسا لاتحاد منتجي القطن بالسودان، ثم انخرط في صفوف المعارضة ودخل المعترك السياسي الذي جعل همه لخدمة قضية الديمقراطية والتنمية.
وريث المهدية:
كثيرون يرون أن الصادق المهدي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب الزعامة السياسية والدينية، فقد ورث عن أسرته المهدية حزبا سياسيا – هو حزب الأمة – تولى زعامته وتولى رئاسة الوزراء مرتين باسمه، كما ورث طائفة تسمى (الأنصار) جعلت منه أيضا زعيما دينيا للحركة المهدية، نسبة إلى جده الأكبر محمد أحمد المهدي القائد السوداني الذي فجر الدعوة والثورة المهدية في السودان، غير أن الصادق المهدي يقول إنه لم ير من ملعقة الذهب هذه شيئا، ويكرر دائما أنه الزعيم السياسي الوحيد في بلاده الذي لم تزده السياسة شيئا، بل أفقرته، حيث أكد لأكثر من مرة أنه لم يتسلم راتبا من مال الدولة طيلة سنوات توليه رئاسة الوزراء، في المرة الأولى من 1966 إلى 1967، وفي الثانية من 1986 إلى 1989، ويضيف أنه لم يسكن قط في بيت حكومي، وأنه الوحيد من المسؤولين الذي كان كلما رجع من رحلة إلى الخارج يعيد إلى خزينة الدولة الميزانية التي خصصتها لسفره.
الإطاحة به مرتين:
في الفترتين اللتين تولى فيهما رئاسة الوزراء تمت الإطاحة به، في الأولى بائتلاف سياسي بين جناح منشق من حزب الأمة وبين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي، وفي الثانية بانقلاب عسكري قاده عام 1989 الرئيس الحالي عمر حسن البشير وهندسه الزعيم الحالي لحزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي، المتزوج من السيدة وصال المهدي شقيقة الصادق المهدي، والمهدي نفسه تزوج في العام 1960م من السيدة حفية مأمون الخليفة شريف، وفي 1962 من السيدة سارة الفاضل محمود عبد الكريم – رحمها الله فقد توفيت في فبراير 2008م -، وأنجب منهما: أم سلمة، رندة، مريم، عبد الرحمن، زينب، رباح، صديق، طاهرة، محمد أحمد وبشرى، والآن أبنائه منقسمون ما بين السلطة والمعارضة.
المعتقلات والمنافي:
مثلما توزعت رحلة التحصيل العلمي للصادق المهدي بين مسقط رأسه والعاصمة الخرطوم وكلية فيكتوريا بالإسكندرية بمصر وجامعة أكسفورد ببريطانيا، حيث درس الاقتصاد والسياسة والفلسفة، توزعت سنوات عمره التي فاقت السبعين بين كراسي السلطة وزنازين السجون ومنافي الغربة، فقد دخل السجن عدة مرات سنوات 1969 و1973 و1983 و1989، كما نفي إلى مصر والسعودية وهاجر سرا عام 1996 إلى إريتريا المجاورة للسودان والتحق بالمعارضة السودانية هناك، ولم يعد إلا أواخر عام 2000 بعد توقيع اتفاق مصالحة مع النظام أواخر عام 1999 سمي “نداء الوطن” تحت رعاية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر قيلي.
العودة للوطن:
بعد جولة خارجية امتدت 4 سنوات قضاها السيد الإمام بين معارضة النظام ومفاوضته، قرر العودة في 23 نوفمبر 2000 إلى البلاد، وأدار دفة الحوار مع النظام فكان التراضي الوطني والأجندة الوطنية وغيرها، لكن هذه العلاقة المتميزة مع النظام لم يحظ بها قيادات حزبه ولا شبابه، فمنذ حادثة المرحوم عبد النبي علي أحمد، وما دبو وأولاده، مروراً بالخلافات مع مبارك الفاضل والتي أدت إلى إنشاء حزب الأمة الإصلاح والتجديد، وعقد مؤتمرهم ومشاركتهم في الحكومة ليُصبح السيد مبارك مساعداً لرئيس الجمهورية، ومن ثم انشقاق عدد من القيادات وتكوين فروع لحزب الأمة متعددة الأسماء، بالإضافة للثورات الشبابية المتكررة والرافضة للمصالحة مع النظام؛ الأمر الذي جعل الإمام يخرج عن هدوئه وصبره المعهود لنسمع عبارات تتصدر خطوط صحف الخرطوم مثل: (أنا الشايل حزب الأمة ما الحزب هو الشايلني) وفي لقاء ميدان الخليفة (الماعاجبو الباب يفوت جمل)، وأخيراً الخلافات التي حدثت مع الأمين العام السابق للحزب السيد إبراهيم الأمين.
الخروج الأخير:
الآن مضى أكثر من عام على خروج زعيم الأنصار الأمام الصادق المهدي من البلاد عقب خروجه من المعتقل الذي قضى به ثلاثة أسابيع بتهمة الإساءة للقوات النظامية الممثلة في وقوات الدعم السريع، لم يجد الإمام بعدها غير سبيل واحد وهو مغادرة البلاد عبر بوابة الخروج دون أن تعترضه السلطات الأمنية، متخذاً من قاهرة المعز مقراً له بعد أن نفض يده من الحوار الذي طرحه النظام في يناير من العام الماضي، وبدأ في إنشاء تحالفات مع المعارضة تحت مسمى (قوى نداء السودان)، الذي ظل حاضراً في الساحة السياسية منذ الإنتخابات الماضية.

الوان

Exit mobile version