انتهى زمن المقاطعة بالمجان .. يا حكومة

{لا يكفي أن يقطع السودان علاقاته مع إيران، ثم ينتظر ليأتي إليه خصومها – غير السعودية – شاكرين مقدرين ومترجين حكومتنا أن تطلب ما تريد .. (شبيك .. لبيك العالم ملك ايديك)، بل لابد أن تعمل حكومتنا عبر وزارة الخارجية وجهاز المخابرات على تحقيق أكبر مكاسب سياسية ودبلوماسية واقتصادية ممكنة من الدول المعنية بالمقاطعة بما يعود على بلادنا وشعبنا بنفع وخير كثير.
{انتهى زمن اتخاذ المواقف الدولية (بالمجان)، فلم يعد هناك قرار يصدر من دولة لصالح دول أخرى من غير قيمة تعادل وزن ذلك القرار.
{فالسودان وبصراحة، إن لم يكن مستفيداً من علاقاته القديمة مع إيران، فإنه على الأقل غير متضرر منها، فليس هناك طائفة  (شيعية) ذات عدد وأثر وتأثير في السودان، ولم تبلغ بلادنا مرحلة الفتنة الطائفية بالتمايز والتناحر بين (سنة) و(شيعة) كما يحدث في بعض الدول العربية، مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن وبعض دول الخليج العربي .
{وبالتالي فإنه لا يجوز أن يكون قرار حكومة السودان بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران قراراً مجانياً (رجالة كدا وبس) !!
{وأنا هنا لا أقصد مقابلاً من المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي لم تقطع علاقاتها بعد مع “طهران”، وإن كنا نعلم أن ثلاثاً من دول الخليج وهي (السعودية، الإمارات والكويت) شارك أمراؤها وشيوخها في المؤتمر الاقتصادي لدعم الاقتصاد المصري بمدينة “شرم الشيخ” العام الماضي، فدفعوا خلال نصف ساعة فقط (12) مليار دولار، (4) مليارات من كل دولة !
{هذا غير الدعم والودائع المستمرة بعشرات المليارات من الدولارات في البنك المركزي المصري، ودعم ميزانية ترشيح المشير “السيسي”، وكل هذا مقابل الإجهاز على جماعة (الإخوان المسلمين) ووقف تمددها في المنطقة، مع أنني أعتقد أنه هاجس في غير محله، فالخطر على الخليج مصدره السلفيون الجهاديون مثل (القاعدة) و(داعش) والزحف (الشيعي) من دول الجوار، وليس من جماعة (الإخوان) بأية حال من الأحوال .
{أعود وأقول إنني لا أقصد السعودية، بل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي وإسرائيل ولوبياتها الحاكمة والمتحكمة في القرار داخل مفاصل أمريكا وغالب الدول الأوربية، ومنظماتها الدولية.
{نعم .. إسرائيل من أكبر المستفيدين من قطع علاقاتنا مع إيران، فهل نجعلها تستفيد وترتاح من رهق متابعة ثغرة (السودان – إيران – حماس)، و(أضانها تبرد) هكذا ودون أن نجني من وراء ذلك مكاسبَ لدولتنا الفقيرة ؟!
{قبل أربع سنوات، حدثني سياسي وأكاديمي كان يشغل منصباً رفيعاً في مؤسسة استشارية ذات بعد أمني واستخباري، أنه خلال مقابلته رفقة أحد كبار قادة الدولة لرئيس الوزراء الإثيوبي الراحل “مليس زيناوي” في “أديس أبابا” قبيل إجراء الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان في العام 2011م، قال لهما “مليس” ناصحاً دولتنا: (إياكم وإجراء الاستفتاء قبل أن تقبضوا الثمن مباشرة من الأمريكان، فأنا أعلم أنهم سيحققون لكم ما تريدون وسيدفعون لكم ما تطلبون مقابل تمرير الاستفتاء)!!
{لكن حكومتنا مررت الاستفتاء بكل تجاوزاته وثقوبه وثغراته، رغم أنه كان أكبر عملية (تزوير) و(إرهاب) في تاريخ شعوب القارة الأفريقية على الإطلاق .. استفتاء جرى تحت كعوب بنادق (الجيش الشعبي) حتى في الخرطوم ومدن وأرياف الشمال !!
{مررته حكومة السودان، وكانت أول دولة تعلن اعترافها بجمهورية جنوب السودان في يوم (جمعة) أسود، انطلاقاً مما أسمته (التزامها الأخلاقي) !! يا سلام على الأخلاق!!
{المهم الآن .. نرجو أن تكون الحكومة قد استفادت من التجارب واعتبرت بما يكفي، فلا يكون قرار قطع العلاقات مع إيران، انطلاقاً من (رجالتها) ومشاعرها النبيلة تجاه إخوتنا في المملكة العربية السعودية .
{الرجالة ما بناباها ..لكن زمن المواقف بالمجان انتهى.

 

 

المجهر السياسي

Exit mobile version