ما بين بكاء الرئيس السوداني “عبود” ..وبكاء النائب البرلماني “عصام ميرغني”

هل نرجع (بالزمن مرة ) ..ونسمع ذلك الهتاف الممزوج بحسرات الالاف من الحلفاويين ..(أين دموعك يا عبود ..أين وعودك يا عبود) ..هذا الهتاف ردده اهلي قبل عشرات السنين عندما ذرف الرئيس الراحل ابراهيم عبود الدموع ..عند زيارته لمدينة حلفا بعد توقيع اتفاقية السد العالي …بكى عبود فلم يكن يخطر على باله انه قد وقع على اغراق اجمل مدينة سودانية انذاك ..فقد بهرته مناظر الشوارع المعبدة والنظيفة ..الفنادق التي تستقبل السياح من كل حدب وصوب ..الميناء النهري الذي ينقل الركاب والبضائع بانتظام الى أرض الكنانة …رغم بكائه ..ذلك .ودموعه تلك ..فقد نفذت الاتفاقية وغرقت حلفا ..وتحسر أهلي قائلين (أين دموعك يا عبود..أين وعودك يا عبود ) ..و لم ينل الناس حينها شيئا غير نظرات التحسر وبضع دمعات سخينة …وكأننا نسينا ما حدث لحلفا ..او أنها بارحت مخيلتنا لحظة …هاهو التاريخ يعيد ذات الرواية بحذافيرها …فقد حملت الأنباء لنا بكاء نائب دائرة دلقو بعد موافقة البرلمان على قيام سدي دال وكجبار …وكان الخبر كالاتي (نائب برلماني ينفجر باكيا بعد الموافقة على قيام السدود) …والشهادة لله فقد قاتل وجاهد وهو يحاول ان يقنع بقية النواب بعدم جدوى السدود ..وبأن في تلك الارض يعيش سودانيون ..تلك هي ارض اجدادهم .. هناك يشمخ نخيلهم الى السماء لا يدري بأن ساعة النهاية قد اقتربت ..هناك يرقد الجدود بسلام معتقدين اننا سنسلم هذه الارض الى ابنائنا ..كما اخذناها منهم ..امنة.. مطمئنة ..معطاءة ..تنتظر النيل كل عام ليفيض ..فتفيض علينا بقمحها وتمرها وفومها وعدسها …تلك الأرض التي تغنينا لها وتزينت لنا ….سكنتنا وسكناها ..هل ترى فعلا ان اوان الوداع ؟؟ هل تعود مأساة التهجير مرة أخرى ..ويظل العالم يتفرج ..ثم يتحسر ..ثم يبكي على الارض الضائعة والكنوز الغارقة !!!..يا سيدي النائب البرلماني …ابك يا اخي ولنشاركك البكاء ..فقد كنا نظن و نعتقد بان هناك من ينصت ويعقل ما نهتف لاجله ونحتج ..بان هناك من يجلس ويتمهل ويقرأ التاريخ ويستفيد من العبر الماضية ..ولكنهم لا يسمعون ..ولا يدركون الا بعد مغادرة المناصب ..والترجل عن الكراسي …ابك يا اخي ..فقد صرنا جميعا كابي عبدالله اخر ملوك الاندلس ..وربما لن يمضي زمن طويل حتى نلتفت لنلقي النظرة الاخيرة على ارض الاجداد …قبل ان يغيبها الماء للابد …ابك يا أخي ..فلم يعد بأيدينا شئ نفعله سوى البكاء …فالجميع يرقصون فرحين يقيمون مهرجانات ..ابك يا اخي.. فلا احد يسمعك وانت تردد بخفوت (وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند)…ابك يا اخي …فلعمري هذا هو موضع بكاء الرجال.

د. ناهد قرناص

Exit mobile version