حواء على مدار الأزمنة تعاني مضايقات في شتى مناحي الحياة “التحريش”

أعمل سكرتيرة بمكتب عام، وكثيراً ما اتعرض للمضايقات وبعض التلميحات السخيفة من قبل مديري، وغالباً ما يصطحبني معه في سفرياته خارج البلاد بأسباب وبدون أسباب مما يثير دائماً تساؤلات زملائي وشكوكهم، ولكن لا أجد أمامي سبيلاً سوى السكوت والصبر على المضايقات، خاصة وأني أحصل على راتب كبير يكفيني وأسرتي بعد وفاة زوجي، ومن الصعب وجود وظيفة أخرى.
(ص ، م)قالت: كنت حديثة التخرج آنذاك وتقدمت لوظيفة لا تحتاج لخبرات، وبعد دخولي المعاينات لفتت انتباهي تصرفات جريئة من مسوؤل ، ولم أكترث لها ولكنها ازدادت بعد قبولي وتطورت أشكالها، الأمر الذي دفعني لتقديم استقالتي حفاظاً على كرامتي، لأنني لم استطع التصدي لتك التصرفات التي صدرت من مسؤول كبير بمؤسسة مرموقة.
٭ أما الطالبة الجامعية (م ، ن) تقول: تعرضت للتحرش من قبل أحد أساتذتي- وهو عميد الكلية- عدة مرات، بعضها كان على مسمع ومرأى زملائي، ودائماً مايطلب مني الحضور الى مكتبه ويبدأ في طلب أشياء غريبة، حيث قال لي في احدى المرات (غني لي وأنا بنجحك)، بجانب بعض التعليقات على شكلي وقوامي، وظللت في حالة تهرب منه، وبدأت معاناتي في التحصيل الأكاديمي، حيث يتعمد بقائي في المستوى الأول لمدة ثلاث سنوات على التوالي، ولم تقتنع أسرتي بالنتائج التي أحصل عليها رغم حديثي معهم ويسألوني (ليه أنتي من دون البنات)، الأمر الذي اضطرني لترك الجامعة نهائياً والجلوس في المنزل رغم الإلحاح المتواصل من أسرتي بالرجوع لها.
وقالت (م، ع) مديرة إحدى المؤسسات الخاصة: توجد العديد من حالات التحرش، ولكن يغلفها جدار الصمت ولا توجد لوائح بمؤسستنا لضبط السلوك، ولكنني سأتخذ اجراءات صارمة حال حدوث مثل هذه الأمور، كما يمكن للمؤسسات وضع لوائح داخلية للحد من الظاهرة.
أرى حولي الكثير من الحالات في الجامعة التي أعمل بها، وأسمع بالعديد من الحالات المماثلة.. هكذا بدأ ( ع، م) أستاذ جامعي مضيفاً: من المحزن جداً رد فعل الطالبات أو الموظفات أو العاملات تجاه مايحدث لهن، فمعظمهن يتخذن الصمت ستاراً، مما يقوي ساعد المتحرش، ووفقاً لردة الفعل تزيد حالات التحرش التي يُستغل فيها المنصب.
عنف:
تقول الناشطة الحقوقية والمهتمة بقضايا المرأة صباح محمد: إن التحرش يدخل في إطار العنف وله أنواع عديدة أبرزها الجسدي واللفظي- حسب تقارير وحدة العنف ضد المرأة بوزارة الرعاية الاجتماعية- وتعامل كل دولة مع العنف يحدد مدى حريتها في تطبيق قوانينها، وأعابت لغة الخطاب الإعلامي، والشارع العام، والمنابر، والمساجد، على أن وجود المرأة في الشارع والعمل مزعج، وبالطبع هي نظرة تقليدية، خاصة وأن البعض يحمل كل النساء أخطاء الواحدة منهن، وطالبت بتطبيق النظم الإدارية بالمؤسسات على أرض الواقع لتكون الحل الناجع، وقالت إن السودان مصادق على كثير من الاتفاقيات الدولية كالمساواة في العمل، وطالما أن الدولة أعطتها الحق في العمل، يجب عليها حمايتها وتهيئة بيئة العمل لها.
دوافع مختلفة:
وأضافت صباح: حواء تعتبر الحلقة الأضعف- حسب نظرة البعض- وطالبت بادخال الحقوق في مناهج التعليم، ووضع ضوابط وأسس لعلاقة متوازنة ومنهج تربية بالمنازل، وبالطبع لا يكون اللبس سبباً أو دافعاً، واستدلت بتعرض بعض المحجبات والمنقبات لعدة حوادث، وشددت على ضرورة تنشئة الأجيال بشكل متوازن، وأن تكون النظرة بأن المرأة نصف المجتمع، فهي الأم والأخت والزوجة.
تمييز سلبي:
المرأة تعاني من أشكال التمييز السلبي والعنف الذي يُمارس ضدها بمختلف أنواعه، هكذا بدأ استشاري الطب النفسي والعصبي بروفيسور علي بلدو، ويقول من آشكال ذلك الاساءات الجنسية، والتي تكثر في الجامعات والمصالح والمؤسسات العامة والخاصة، وتتراوح الاساءات بين التحرش اللفظي، والرسائل الخادشة، والملامسة والملاطفة غير المرغوبة، وكذلك الإرهاب الجنسي، والاستعراض الجسدي الذي يمارسه بعض المدراء والمسؤولين جنباً إلى جانب مع التحرش، وأضاف بلدو: دوافع أرباب العمل والمستفيدين لا تخرج عن إطار النفسية غير السوية، والسلوك المجتمعي غير القويم، نتيجة للتنشئة الخاطئة، ومن ضمنها ضحايا الاغتصاب والعنف المنزلي، والخلافات والانفصال الأسري، إضافة لانعدام الثقة بالنفس والنزعات الجنسية، واشباع الذات، والحديث يعود لاستشاري الطب النفسي ويعمد هذا النوع من الشخصيات إلى استغلال النفوذ والوعد بالوظيفة والحوافز والعلاوات وماشابه، وكذلك التخويف بالفصل، الشيء الذي يشكل ضغطاً نفسياً على تلك الفتيات والسيدات، ويجعلهن يخضعن مكرهين على تنفيذ تلك المآرب، وهذا يشمل أرباب العمل المتنفذين المتزوجين .. وحسب احصائية غير رسمية لدينا أكثر من (70%) من المتحرشين، خلاف ما يتبادر لأذهان الكثيرين إذا أخذنا في الحسبان عدم التناغم الزواجي، والإشباع الجسدي العاطفي، وانعدام روح الحب، والنزعة المتجذرة في استغلال النفوذ والسلطة والجاه لتعويض ما لم يستطع إليه سبيلا.
ضغط وإرهاب:
دافع بلدو عن المرأة السودانية وقال: إنها مكرهة لسلكها هذا المسلك، لأنها تحت ضغط وإرهاب سلطوي يجعلها تضع في بعض الأحيان المساحيق وترتدي القصير لبعض النفوس الضعيفة، خوفاً من ضياع حقها أكثر منه طمعاً في نيل حقوقها.
عوامل مُشجعة:
تقول الباحثة الاجتماعية ثريا ابراهيم: إن أغلب المشاكل تبدأ من المعاينات، حيث تلعب الحرية الشخصية دوراً كبيراً بالإضافة لسمعة المسؤول، فهناك من يُدركن أن سمعته سيئة ويتربص بالنساء، ولكنهن يرتضين التعامل معه للوصول لمبتغاهن، وغالباً مايكون لأسباب اقتصادية، والدخول للوظيفة يدفع للتنازل، وبالمقابل هناك من يرفضن بشدة رغم الضغوطات، كما تؤثر القيم والأخلاق وبيئة العمل كالمكاتب المغلقة وطالبت بوضع نوافذ زجاجية في المؤسسات العامة والخاصة، وشددت على أهمية التزام النساء بالمظهر، وتخفيف مكياجهن، وألا يكون ملفتاً للنظر فضلاً عن الالتزام باللبس الرسمي، وقالت ثريا إن الذي يشجع المتحرشين هو الصمت والخوف من الوصمة وفقدان الوظيفة، والاغراءات بالحوافز والامتيازات ويحفزهن على مجاراة الواقع، الأمر الذي ينتج الظلم في الأسس المتبعة، واتهمت المشرع السوداني بعدم حماية المرأة بصورة كافية.
ظن خاطيء:
أشارت الباحثة الاجتماعية ثريا الى الخطأ الذي تقع فيه بعض الفتيات خاصة القادمات من الريف، بأن المدن أكثر حرية وانفتاحاً، وهذا مايسمى بالصدمة الحضارية، والانتقال السريع حيث يؤثر في سلوكيات بعض الأشخاص، وبالطبع لا تصل لمرحلة الانحلال الأخلاقي الذي يرتبط بالسلوكيات والتربية وسيادة القانون، ونوهت ثريا الى البحوث التي قدموها كباحثين اجتماعيين لمتخذي القرار فيما يتعلق بالتحرش وقالت إنها لم تجد أذناً مصغية.
لا استثناء:
قال موظف بشؤون العاملين بإحدى المؤسسات: إن اللوائح الداخلية موجودة والتحرش جزء منها، ويخضع جميع العاملين لها بما فيهم المدراء ورؤساء الأقسام، وتطبيق اللوائح لايستثنى منه أحد مهما علا منصبه، وقال الموظف إن هناك اجراءات يتم اتباعها حال أن وردت شكوى اليهم، حيث نقوم بتكوين لجنة تحقيق في اي قضية خلاف التحرش، وهناك حالات ثابتة لا تحتاج للجان، وبالطبع يتم تجريد المناصب أمام شؤون العاملين ويواصل الموظف: النظام الإداري يتبع تسلسلاً هرمياً ويراعى التسلسل في مجلس التحقيق.
قانون ملزم:
يواصل موظف شؤون العاملين: قانون العمل ملزم بتعريف العامل بحقوقه وواجباته ولوائح العمل داخل المؤسسة.. ومسألة شكاوى التحرش تبقى مسألة جُبن أو شجاعة وهي جنائية، ويحق للمتحرش به تصعيدها لمكاتب العمل، والمحاكم، والمؤسسة لديها الحق في فصل المتحرش حتى إذا لم توجه له المحكمة الإدانة، وتقع هذه التصرفات تحت طائلة المواد المخلة بالشرف، ودائماً تسعى المؤسسات لاستقرار العمل حتى لا يتكرر الحدث مرة أخرى.
ضمانات في العمل:
القطاع الخاص به نظم رقابية صارمة.. بهذه العبارة بدأ المدير التنفيذي لاتحاد الغرف الصناعية د.الفاتح عباس مردداً، المؤسسات الخاصة تهتم بالعنصر النسائي وتوفر له كافة الضمانات في العمل، فضلاً عن الالتزام باللوائح المنصوص عليها بما فيها العطور والروائح، ونفى حدوث حالات تحرش بالقطاع، ونوه إلى اتخاذ الاجراءات الإدارية والجنائية حالة حدوث اي مشكلة خلاف التحرش، وتصل الاجراءات الإدارية إلى الفصل.
لا يوجد نص:
قال مساعد الأمين العام لهيئة علماء السودان سابقاً د. حيدر التوم: لا يوجد نص صريح في الشريعة الإسلامية اسمه الشروع في الزنا، ولا توجد آية قرآنية أو حديث يتحدث عن التحرش، وإنما هي عقوبات تعذيرية اي لا يوجد وضع حدي وتكون العقوبات قياساً على جرائم أخرى، وذلك نتيجة لتطور الفقة الإسلامي وما طرأ من تغيرات ونوازل، فالفقه يقوم على الاجتهاد والاستحسان والقياس، وأردف التوم حتى جريمة الزنا لا تثبت شرعاً دون شروطها ولو وقعت فعلياً.
مضمنة في القانون:
قال المحامي حيدر التوم: إن لائحة الخدمة المدنية للعام 2007م حظرت التحرش في المادة (41) الفقرة (أ) وحذرت من اساءة استعمال السلطة الوظيفية، ونهت عن استغلال النفوذ بالفقرة (ب)، وشددت اللائحة في الفقرة (ح) على الالتزام بزي العمل اذا كان خاصاً أو عاماً، مع مراعاة أن يكون لائقاً ومناسباً، أما في الفقرة (ز) أمنت على تجنب الظهور بمظهر لا يليق بمكانة الوظيفة، أو يعارض مقتضيات الواجب أو أخلاقيات المهنة بموقع العمل أو خارجه، أي أن مايحدث لاعلاقة له بالقانون، بل هي مشكلة أخلاق وتحتاج لمعالجات وأهمها تشديد العقوبات، وتمليك الحقوق.. والظاهرة متعلقة بصيانة حقوق المرأة، والحديث يعود لحيدر، مواصلاً قانون الخدمة المدنية والجنائي للعام 1991م جرما الفعل، وحسب عملي بالمحاكم لم الحظ اية قضية بالتحرش، وأردف.. المجتمع يحتاج لإعادة صياغة كاملة.
مماطلة:
بتاريخ 11/29 من العام الماضي استلمت وزارة العمل خطاباً ممهوراً بتوقيع رئيس التحرير للإفادة حول قوانين الوزارة وتشريعاتها، حول التحرش بالمؤسسات ومدى التزام المؤسسات بلوائح وقوانين العمل.. ووجه وكيل الوزارة الخطاب لمدير إدارة تشريعات العمل، الذي أفاد ورهن تسليم الإفادة للصحيفة باطلاع المستشار القانوني عليها، لتبدأ مرارة البحث عن الإفادة التي سبق وأن وجه بها الوكيل ليرفض المستشار القانوني تسليمها، مصمماً على إرجاعها للوكيل مجدداً ليخطرونا بعدم وصولها لمكتبه، وبين مكتب الوكيل والمستشار القانوني ماتزال الإفادة حبيسة أدراج وزارة العمل.
لوائح داخلية:
التحرش ناتج من ضعف الشخصية، ويقتضي توقيع عقوبة رادعة.. هكذا بدأ رئيس لجنة التشريع والحكم المحلي وحقوق الإنسان بالمجلس التشريعي ولاية الخرطوم، مولانا علي علي ابوالحسن مواصلاً: من حق العامل في ممارسة عمله في بيئة آمنة بعيداً عن اي مهدد (خوف- سرقة) وأمنت المؤسسات على ذلك، بتخصيص مرافق لهن بعيداً عن الرجال، ولكل مؤسسة لوائحها، وألا استطيع أن أتحدث عن لائحة عامة لكل المؤسسات، ولم يقف الأمر على اللوائح فقط، بل حظر قانون العمل عمل النساء في الليل، وعند سؤال (آخر لحظة) عن اعتبار الحظر فشلاً في حماية المرأة، رغم إعطائها حق العمل، بجانب احتياجها له لزيادة دخلها، أجاب ليس فشلاً ولكن تكوين المرأة وطبيعتها تختلف عن الرجل وهذا حفاظاً على كرامتها.

صحيفة اخر لحظة

Exit mobile version