ذيادة تعرفة المياه..هل هي المسمار الأخير؟!

لم يكن المواطنون يتوقعون أن تأتي المصائب تباعاً هكذا فلم تمضِ على إجازة الميزانية العامة للدولة أكثر من شهرين حتى تقدمت وزارة النفط بزيادة أسعار الغاز، وبالرغم من الجدل الذي صاحبها إلا أنها تمت إجازتها وكأن شيئاً لم يكن. ولم يمضِ أكثر من شهر أيضاً فتقدمت هيئة المياه بالولاية بطلب لزيادة رسوم التعرفة بنسبة (100%) وهو الخبر الذي أدخل المواطنين في صدمة في ظل وجودهم في عاصمة تحتضن نهر النيل أطول أنهار العالم وتعاني فيه من عطش وما زالت تمرح فيه عربات الكارو تبيع المياه بأسعار عالية، والصدمة لم تفارق المواطنين بعد إجازة المجلس التشريعي للمقترح الذي أصبح عبئاً آخر للمواطن. وكان مدير عام هيئة المياه بالولاية خالد علي خالد قد حذر من توقف خدمة الإمداد حال لم تُجز الأجهزة التشريعية والتنفيذية للولاية التعرفة الجديدة، وبرر خالد في حديثه لوسائل الإعلام المقترح لارتفاع تكاليف التشغيل وعجز المصروفات، وقال إن الهيئة بحاجة إلى إجمالي مصروفات خلال موازنة 2016م بأكثر من 455 جنيهاً بينما الإيرادات بالتعرفة القديمة تبلغ 234 جنيهاً أي ما يعادل 51.4% من المصروفات بحسب الهيئة.. «الإنتباهة» وقفت على القرار واستطلعت المختصين فخرجت بالآتي..
تسريبات
كان والي الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين قد نفى بشدة التسريبات التي تتحدث عن إجازة قرار بزيادة رسوم المياه في الولاية. وقال حسين بحسب الشروق خلال لقاء بمنزله بالخرطوم قال «لا علم لي بأية إجراءات أو دراسات لزيادة رسوم المياه في الولاية». وأوضح أن حكومة الولاية تسعي لإيجاد حل جذري لمشكلة المياه يعالج مشكلات المصادر والشبكات.
لن نقبل
فيما أغلق رئيس لجنة التشريع والحكم المحلي بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم علي أبو الحسن المجال أمام المقترح الذي دفعت به هيئة مياه ولاية الخرطوم لزيادة رسوم المياه بنسبة 100%، وقال أبو الحسن لن نقبل بزيادة أية رسوم جديدة، ونحن لا نوافق على أي شيء ضد مصلحة المواطن، وبرر رفضهم لمقترح زيادة رسوم المياه بأنها لم تأتِ في موازنة الولاية التي لم ينقض على إجازتها سوى أقل من 3 أشهر، ولفت إلى أن زيادة أي رسم يترتب عليه تعديل في الموازنة مما سيؤدي الى إحداث ربكة. وأضاف أبو الحسن: «ما ذكره مدير الهيئة هو مجرد مقترح ولم يأتِ إلينا في المجلس التشريعي وكان من المفترض أن يقدمه ضمن الموازنة الجديدة، وأضاف قائلاً: «وحتى لو قدمت الهيئة مبررات قوية فإن توقيت تقديم مقترحها متأخر لأنه جاء بعد إجازة الموازنة».
تمرير الزيادة
بعد ذلك مرر تشريعي الخرطوم، بطريقة مفاجئة زيادة في تعرفة المياه في العاصمة. وارتفعت رسوم التعرفة الجديدة للدرجة الأولى من (45) جنيهاً إلى (85) جنيهاً، والدرجة الثانية من (25) جنيهاً إلى (55) جنيهاً، والدرجة الثالثة من (15) جنيهاً إلى (30) جنيهاً، وتسبب مقترح الزيادة في إحداث حالة ربكة بالمجلس بين المعترضين والموافقين، مما اُضطر رئيس المجلس لإخضاع المقترح للتصويت، وفيما رفض (9) نواب للمقترح بينهم أعضاء الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ونواب لأحزاب أخرى، وافق «47» عضواً بالحزب الحاكم على المقترح، وامتنع آخرون عن التصويت. في وقت شبه فيه رئيس لجنة بالتشريعي تمرير الزيادة بالمضطر على أكل لحم الخنزير. وأعلن ممثل الحزب الاتحادي الأصل ونائب رئيس المجلس محمد هاشم، رفض حزبه لأية زيادات في رسوم المياه، وطالب حكومة الولاية بتحمل مسؤولياتها كاملة وحل مشكلة المياه دون زيادة أية أعباء إضافية على المواطن، ووصف فرض (30) جنيهاً على سكان الدرجة الثالثة بـ «قاصمة الظهر على مرتبهم»، واتهم هاشم هيئة المياه بممارسة التهديد على المواطن. من جهته كشف رئيس لجنة التخطيط بالمجلس حمدي سليمان عن تهديد مدير هيئة مياه الخرطوم لهم بالاستقالة في حال عدم إجازة المجلس للرسوم الإضافية، وقال: «مدير هيئة المياه قال لينا يا تجيزوا لي زيادة الموية دي ولا أنا بستقيل». وقال إنهم يقبلون الزيادة كالمضطر على أكل لحم الخنزير. بالمقابل انتقدت النائبة عواطف طيب الأسماء موافقة المجلس على الزيادة، وقالت: (كيف يجيز المجلس زيادات بعد إجازته للموازنة التي بشر المواطنين بخلوها من أي زيادات)، وأضافت: (نبشر المواطن ونجي تحت تحت نمرر زيادات تكسر كاهله). وقالت: (هناك مواطنين يعجزون عن دفع ثلاثة جنيهات لشراء كهرباء فكيف يدفعون 30 جنيهاً للمياه.
الدولة لم تلتزم بميزانيتها
في ذات السياق انتقد رئيس جمعية حماية المستهلك د. نصر الدين شلقامي قرار زيادة تعرفة المياه بنسبة 100%، وأضاف خلال حديثه لـ «الإنتباهة» أمس أن وزارة المالية بدأت برفع الدعم كلياً عن المواطن فبدأت بالغاز وألحقته بالمياه وتركت المواطن لسكين السوق، فضلاً ان الخطوة غير مناسبة في هذا الوقت لأي زيادة في ظل معاناة المستهلك وزيادة الأعباء واستدرك قائلاً: إن الزيادة لم تنزل بالميزانية لكي يوفق المواطنين أوضاعهم للصرف. اتهم وزارة المالية بعدم الالتزام بالميزانية التي تمت إجازتها. وقال شلقامي اإن الزيادات تأتي فجأة ولا استبعد مطالبات بزيادة الكهرباء والرغيف خلال الأيام القادمة وأشياء أخرى ليست في الحسبان. فيما استغرب شلقامي موافقة المجالس التشريعية للزيادات دون الاعتراض عليها وقال «دي حكاية حاجة غريبة». لافتاً أن الانخفاض يحدث في كل العالم ولكن في السودان لم نسمع بانخفاض أي سلعة، داعياً الحكومة لعدم ترك المستهلك تحت رحمة السوق، واصفاً القرار بأنه غير صحيح، وكان ينبغي أن يعلن في الميزانية. واتهم أعضاء المجلس التشريعي بأنهم ممثلين غير حقيقيين للشعب لعدم رفضهم للزيادة والوقوف ضدها وأن المواطنين أصبحوا ليس لديهم ثقة في المجالس التشريعية. بالإضافة إلى أن الزيادات ليس لها حدود كزيادة الغاز بنسبة 300% والمياه 100% وتساءل شلقامي عن البدائل في ظل الزيادات وعدم وجود دخل إضافي.
عدم عدالة
في ذات السياق طالب الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي بضرورة تصحيح خطأ شائع لدى الجميع بأن الزيادة ليس داخل الموازنة؛ لأن الموازنة شأن اتحادي، بينما الزيادة وكل الزيادات على الخدمات الولائية تخص الولاية وهذه حكومة خاصة بذاتها، وتقع ضمن اختصاصات ولاية الخرطوم. وأنه لا يعاب على الموازنة أن تحصل أي زيادات في هذا الجزء من العام من حيث الزيادة نفسها لو تمت ولكن من حيث الزيادة نفسها كان أفضل لو أن حكومة الولاية بذلت بعض الجهد لكي تفرق بين المستهلكين من مواطني الولاية. مضيفاً خلال حديثه لـ «الإنتباهة» أمس أن اللجوء للطريق الأسهل ويقصد بذلك (الزيادة) أجحف في حق قطاعات كثيرة من المواطنين؛ فالعدالة كانت تقتضي أن لا تعمم فئة واحدة على كل المواطنين رغم اختلاف الكميات التي تستهلكها الأسر في الاحياء ذات الدرجة الأولى وتلك التي في الدرجة الثالثة فربما هو أدنى في الأطراف.
وأضاف أن الأسر في الدرجة الاولى يكون لها 3ـ 5 حمامات وحنفيات مياه بالحوش لري النجيلة وسقي الأشجار وخراطيش ممتدة لغسل الممرات ومسطبات الشوارع بالإضافة لغسل عدد 3ـ 5 سيارات في ذات الوقت الذي تستهلك فيه غسل عربة واحدة ما يعادل استهلاك أسرة بالدرجة الثالثة فكيف يستقيم ذلك، فضلاً أن جر السايفون يستهلك جركانة مياه كاملة فكم عدد السايفونات بالدرجة الاولى وكم تستهلك من المياه يومياً، وشدد الرمادي بضرورة العدالة عبر استخدام عدادات المياه لحصر المياه على غرار عدادات الكهرباء وأن يتم تسعير المتر المكعب منها كلاً على حسب استهلاكه حتى يضطر من يبذرون في استخدامات المياه للترشيد.واعتبر الرمادي أن قرار فصل مياه مصانع الطوب من الشبكة العامة للمياه قرار صائب ولمصلحة المواطن بسبب أن المصانع لا تحتاج لمياه نقية فكم صرف لتنقية المياه وترسيبها ومعالجتها بالكلور ليتم استخدامها في النهاية لصناعة الطوب.
شكوى مصانع الطوب
فيما انتقد أصحاب مصانع الطوب البلك قرار مدير عام هيئة المياه القاضي بإيقاف الخدمة عن جميع مصانع الطوب الموصلة بالشبكة الرئيسة وذلك بحسب توجيهات والي ولاية الخرطوم، وانتقد أصحاب المصانع خلال حديثهم لـ «الإنتباهة» القرار بحجة أنها لن تستطيع حفر بئر خاص بكل مصنع لجهة أنها ذات تكلفة عالية تصل قرابة الـ 600مليون جنيه في وقت تفتقر فيه المصانع إلى المال، واعتبرو أن القرار يمكن أن يسبب شحاً في الطوب لعدم مقدرتها المالية.
مدير المياه: لا يوجد حل غير الزيادة وأنا غير راض عنها
فيما أبدى مدير هيئة المياه بولاية الخرطوم خالد علي خالد، عدم رضاه عن زيادة تعرفة المياه وقال: «أنا غير راضٍ عن الزيادة وحزين جداً لأني حملت المواطن فوق طاقته، ولكن لا يوجد حل آخر غير الزيادة». وشبه خالد الزيادة بالعملية الجراحية، وقال: «الطبيب يقول يا تعملا أو حتموت، وهذا مثل زيادة تعرفة المياه»، وذكر أن هناك مناطق داخل الولاية تشتري برميل المياه بمبلغ «40» جنيهاً يومياً وليس لديهم شبكة مياه، واعتبر ذلك ظلماً وعدم عدالة في التوزيع. واعتبر مدير الهيئة أن الزيادة تهدف لخدمة المواطن، وأضاف «نعلم أن المواطن يعاني كثيراً ونريد حل كل مشاكله»، وتابع في تصريحات صحفية عقب جلسة المجلس التشريعي للولاية: نريد خدمة المواطن وأردف: «سنكون عند حسن ظن المواطنين في تقديم الخدمات». ونوه خالد إلى عدم وجود طرق أخرى لحل مشكلة المياه بالولاية غير زيادة التعرفة «لو وجدت طريقة واحدة غير زيادة التعرفة لتنازلنا منها»، ورأى أن الوضع سيكون أسوأ إذا لم تتم زيادة التعرفة، وجدد حديثه عن معاناة المهندسين من الظروف الاقتصادية، وذكر: «المهندسين ما عندهم البركبو بيهو مواصلات للوصول للمواقع، فكيف يمكن أن يقدموا خدمة؟»، وزاد: «نحن متفائلون بالزيادة، ونأمل أن يكون فيها خير كبير للمواطنين وتتقلص معاناتهم».

الانتباهة

Exit mobile version