بالصور.. الصحفية محاسن أحمد عبد الله تجسد شخصية فتاة الليل بالخرطوم وتخرج بالكثير والمثير..ركبت مع أحدهم قال لي: (تمشي معاي و عايزة كم؟) وآخر(ممكن نمشي نقضي سهرة جميلة و بديك البتطلبيها) تعرف علي القصص كاملة

واصلت الصحفية المتميزة جداً محاسن أحمد عبد الله خبطاتها الصحفية الجريئة جداً والتي بدأتها باقتحامها لصالون حلاقة رجالي, ثم عملها في آبار السايفون.
هذه المرة خاضت محاسن تجربة تحمل الكثير من الجرأة وهي تجسيدها لدور فتاة الليل بالخرطوم, الصحفية خرجت بالعديد من المفاجآت وروتها في قصص مثيرة تحصل عليها محرر النيلين.
وتقول محاسن أحمد عبد الله:
الامر الذي دعاني لخوض تلك المغامرة المرعبة لنقل تفاصيلها الواقعية بعيدا عن نسج الخيال هي قضية إجتماعية هامة اصبحت مصدر قلق و إزعاج لعدد من ألاسر بعد ان تمددت في أغلب الشوارع السودانية و هي ظاهرة فتيات الاستوبات ممن يخرجن من اجل اصطياد ضحاياهم للحصول علي المال مقابل الرزيلة بمساعدة الطرف الاخر الرجل الذي يقوم بوضع الطعم علي السنارة لتصبح المسالة عادة تجري في عروق بعضهم مجري الدم دون ان يندي لهم جبين.


القصة ادناها عشت تفاصيلها لحظة بلحظة حتي استطيع ان انقل صورة حية و حقيقية لكي نتبين مكان العلة دون ان ندفن رؤوسنا في الرمال خوف الفضيحة حتي تسلط الجهات المعنية بالامر الضوء عليها و إجتثاثها من جذورها.
قامت برصدها:محاسن احمد عبدالله – تصوير:معاذ جوهر
(1)
خرجت في ذلك المساء الشتوي القارس الذي تلفح برودته الاجساد, كانت البداية من قلب منطقة الديم التي توجهت منها مباشرة صوب الشارع الرئيسي الذي يفصل مابين الديم و العمارات حتي يتثني لي رصد المشهد بصورة جيدة و من ثما الوصول الي مربط الفرس,بالفعل تخطيت شارعا فرعي كان مظلما بعض الشئ سوي بعض من اضواء السيارات الخافتة جدا و التي كانت تجوب الشارع ذهابا و ايابا بصورة متقطعة ,وقفت ما يقارب عشر دقائق و موجة البرد تزداد شيئا فشيئا و لم تمر من امامي سوي بعض من مركبات (ألامجاد) وهي معبئة بزبائنها, بعدها فجأة توقفت امامي سيارة فارهة و هي تختار ركنا قصيا من شارع الاسفلت لتقف لالحق بها و لكنني كنت قلقة و متخوفة بعض الشئ بالرغم من إدراكي بالمهمة التي سأقوم بها و خطورتها بسبب الاقاويل و القصص المثيرة التي كانت تحكي عن فتيات الاستوبات و ما يحدث معهن من طالبي المتعة الحرام ليغادر بعدها صاحب العربة دون إكتراث, و لكن عقدت العزم و تراجعت عن موقفي و مخاوفي بعض الشئ لأنني سأكون شاهد عيان للقصة بل و بطلتها و انا اعلم تماما ان تصرف مثل هذا فيه الكثير من المخاطرة و المجازفة بنفسي و لكن طبيعة عملي كصحفية جعلتني اقتحم الممنوع وفق خطة موضوعة للخروج بالحقائق كما هي.


(2)
أسدل الليل ستاره و خلاء الشارع من المارة فتوكلت علي الله لبدء مهمتي و انا اقول سرا (يا روح ما بعدك روح) و ذلك بعد ان توقفت امامي مباشرة سيارة (توسان) بيضاء اللون ليطل منها من منتصف زجاج السيارة شاب تبدو ملامحه هادئة و يتمتع بقدر من الوسامة و هو ينظر اليَ بشئ من الخبث, وقتها ازدادت دقات قلبي قبل ان يخاطبني مباشرة (اتفضلي اركبي) سالته مباشرة و انا واجفة (انت واصل وين؟) اجابني بصوت رخيم قائلا: (معقولة بتسالي ماشي وين..اركبي بس) قلت له و انا الملم قواي (حاركب معاك علي شرط توصلني موقف المواصلات بس) ابتسم ببراءة و قال لي : (طيب اركبي ما صح تكوني واقفة و بتتكلمي) بالفعل امتطيت السيارة بعد ان حفظت رقمها علي ظهر قلب و اشترطت عليه عدم رفع الزجاج بحجة انني اعاني من (أزمة) و لكنه تحجج بالتكييف و انه لا بد من اغلاق الزجاج فقلت له الاجواء باردة لسنا في حوجة لتكييف لانه يتعبني ,وافق علي طلبي بعد الحاح مني بعدها سادت حالة من الصمت الرهيب ما يقارب الخمس دقائق و طيلة هذه المدة كان يسترق النظر و هو يتفحصني بعينه من قمة راسي حتي اخمص قدمي و انا ارمقه بطرف عيني,فجأة قطع ذلك الصمت المريب قائلا: (احسن نتكلم بي صراحة ..تمشي معاي و عايزة كم؟) فغرت فاهي و انا مندهشة و قلت له: (ما فهمتك بتقصد شنو؟) و انا علي علم بما يقصده و لكن تعمدت ذلك حتي اتحصل علي ما اريد من معلومات دون ان اكون واحدة من زبوناته طالبات المال مقابل المتعة, لكنه فجاة اوقف محرك العربة بجانب شارع مظلم قائلا لي : (شكلك بتستهبلي) اجبته بحسم و قوة :(ابدا …بس حبيت اعرف انت قاصد شنو؟) فاجابني سريعا (…..) قلت له (شكلي ركبت غلط طيب حأنزل) هنا فقط نظر اليَ نظرة جادة و قال لي: (يا فالحة دخول الحمام ما زي مروقو) فبدأ في مقاومتي بشراسة ليكمم فمي هنا فقط احسست بالخوف الشديد لتمتد يدي نحو مقبض باب السيارة لمغادرتها الا انه امسك بيدي قائلا: (ممكن تقولي حتمشي تركبي من وين الوقت ده؟) نفضت يدي من يده ثم غادرت المكان مسرعة و الخوف يتلبسني.
(3)
خرجت في اليوم الثاني بنفس التوقت و إتجهت صوب الشارع الذي يفصل ما بين حي العمارات و المطار وقبل ان اقطع شارع الاسفلت للجانب الاخر توقفت سيارة صغيرة (لكزس) و خرج منها شاب في العقد الثالث من العمر و هو يدعوني بإلحاح شديد للركوب معه فسالته ألي اين وجهتك؟ فاجابني بسؤال (إنتي ماشة وين؟) أجبته (البيت) قال لي : (بيت شنو ..ممكن نمشي نقضي سهرة جميلة و بديك البتطلبيها) اظهرت له تفاعلي بالموضوع و أبديت له موافقتي و بالفعل فتحت باب السيارة و دلفت ألي داخلها و بمجرد جلوسي علي المقعد المجاور له لم تمر سوي دقيقة واحدة شعرت بحركة غير طبيعية و أنفاس شخص متقطعة تصدر من المقعد الخلفي, حقيقة أحسست بخوف شديد و لكني تمالكت نفسي و إلتفتت خلفي لاتفاجأ بفتاة ممدة علي المقعد الخلفي لتبلغ دهشتي قمتها و أمسكت بيده لايقاف مقود السيارة إلا انه خفف عني قائلا: (ما تخافي دي بت خالتي مصدعة شوية عشان كده راقدة).. لكنني لم أصدق حديثه إلا بعد أن أضأت نور موبايلي علي وجهها بالفعل وجدتها أنثي فائقة الجمال و صغيرة السن و لكن لم أصدقه بانها قريبته فسألته :(طيب دي موقعها شنو من الاعراب بعد إتفاقنا) رد : (دي حنزلها هنا في الصحافة و بعدها حنمشي شقتي في شارع الستين) مضي الوقت ثقيلا لتقف السيارة جانبا و يطلب من الفتاة أن تنزل منها , بالفعل إستجابة سريعا لطلبه و ترجلت منها و هي تترنح يمنة و يسرة ألا ان الموضوع لم يقلقني بقدر ما بدا تفكيري منصب في ماذا بعد هذا بأنني أصبحت في وجه المدفع و قبل أن اتحدث أليه باغتني بسؤال سريع: (أها بعد ده دورنا جا) وقتها أضطربت بعض الشئ و لم يكن هناك خيار غير أن أدعي مرضي الشديد و انا ممسكة ببطني لشعوري بالالام حادة الامر الذي جعله يصاب بالخوف و الهلع الشديد فطلبت منه التوجه حيث أقطن مباشرة و شئيا فشيئا بدأت اعود لحالتي الطبيعية و قبل أن يسالني عن حالتي الصحية قلت له بإجهاد شديد: (الحمد الله يمكن مرضي الفجأة ده لي خير عشان أخلي الحرام) نظر الي الشاب مليا و بدات في ملامحه التأثر و هو يقول لي (إنتي ربنا بريدك و الله كان الليلة يومك أسود) نظرت أليه و عيوني مغرورقة بالدموع و قلت له: (و الله أنا تبت خلاص من الحرام؟) هنا فقط صمت الشاب طويلا ثم قال لي: ( انا اسف جدا عشان كده حاوصلك المكان العايزاهو بدون اي مقابل لكن علي شرط تخلي شغلة بنات الليل دي)..بعدها إنفرجت اساريري و طلبت منه أن يحكي لي قصته مع فتيات الاستوب,تنهد ثم بدا يحكي: (طيب مسافة السكة دي حا حكي ليك قصتي مع بنات الاستوب و كيف بصطادهم و التعامل بينا بيتم كيف, أولا أنا اسمي (م,ح) نحن مجموعة من الشباب قسَمنا نفسنا في شوارع مختلفة في كل من امدرمان و بحري و الخرطوم عشان نصطاد البنات بعد الساعة عشرة و قبلها قمنا بايجار شقة بالخرطوم 2 لاكمال الاتفاق اللي بيتم بينا و البنت فالاغلبية من البنات البيركبوا معاي من بنات الداخليات بيكونوا محتاجين للمال لانو من نص الشهر مصاريفهم اللي بيرسلوها ليهم اهلهم بتكون راحت في المواصلات و بيكونوا محتاجين للاكل و الشراب و المستلزمات الاخري و ما عندهم قروش فبتقوم الواحدة منهم تركب الزلط من شوارع معينة في العاصمة و البت القبيل الكانت نايمة في المقعد الخلفي دي واحدة منهم كنا متفقين تبيت معاي في الشقة لكن لما لقيتك قلت أحسن أغير شوية لاني سوقتها مرتين,في البداية كنا بنعاني من نصب الشرك للضحية و لكن بمرور الزمن بقي عندي زباين معتمدين لكني مليت منهم و بديت مرحلة جديدة يعني بساوم الواحدة من طرف لانو الهم الاول و الاخير هو المال طبعا الموضوع بالنسبة لي ملئ فراغ ,اهلي في البحرين و مأجر شقة واسعة ساكنين فيها معاي اصحابي بنقضي احلي الاوقات و بيصادف كتير تطلب الواحدة منهم المبيت لكن بنرفض خوفا علي سمعتنا لاننا في عمارة فيها سكان محترمين,لكن في بعض الاحيان بنسمح لبنات الداخليات المبيت لانو مواعيدهم معروفة اذا اتاخروا بيمنعوهم من الدخول).
سالته: (ضميرك ما بيانبك؟) نظر اليٍ بشئ من الاشمئزاز قائلا: (ضمير مين يا عم…انا مشيت رفعت واحدة من بيتهم؟؟ ثم ثانيا و الله العظيم انا بحكي ليك عشان تعرفي الحاصل لكن شكلك عايزة تبقي لي واعظ بعد توبتك القبل دقايق دي)..هنا فقط انقطع الحديث بيننا فقد وصلت الي المنزل و هدأت انفاسي و غادر هو مسرعا الا انه لحقني بنصيحة سريعة من خلف شباك سيارته قائلا لي (اوعي أصادفك في الشارع داك تاني) ثم انطلق تاركا لي غبار سيارته.


(4)
حاولت ان الملم خيوط اكثر حول الموضوع لتبدأ جولة أخري,كانت الساعة تشير الي التاسعة مساء عندما غادرت مبني الصحيفة برفقة المصور مستغلة العربة الخاصة بالصحيفة و ما زالت الاجواء باردة و الليل طفلا يحبو كما يقال, الخرطوم غارقة في سكون رهيب و شوارعها تخلو من المارة و الهدوء يحف المكان من كل جانب توجهنا صوب شارع المطار حيث المطاعم الراقية و الفخمة و ترجلت من السيارة بعد الوصول للشارع المقصود لتكون المسافة مابيني و العربة كافية لالتقاط الصور,توقفت شرق الشارع و في دقائق معدودة توقفت سيارة سوداء صغيرة مظللة و عندما أقتربت منها طلب مني صاحبها أن أركب و قبلها سألته (لي وين؟) رد (المعلوم) حقيقي لم أعرف معني الكلمة و لكن أجبته (تدفع كم؟) رد (المطلوب) حقيقي أرتعشت فالرجل لم يترك لي مجالا للنقاش فآثرت أن أفلت من قيوده لانه علي ما يبدو شخص متمرس و انا اقول له (ما بتنفع معاي).
غادرنا بعدها شرقا متجهين صوب منطقة بري في احدي الشوارع الغربية ,مكان ظلامه دامس تحف مبانيه الاشجار الكثيفة ما سهل علينا إخفاء العربة التي كانت تقلني لاذهب بعيدا و قبل أن أمدد يدي توقفت عربة (لاندكروزر) يقودها شاب علي ما يبدو في منتصف العشرين من العمر رفضت مبارحة مكاني فتحرك للوراء قليلا و أصبحنا وجهنا لوجه و تخاطبنا عبر النافذة و هو يقول لي: (الزراف ما عايز يركب و لا شنو؟ صمت برهة ثم قلت له: (إنت ماشي وين؟) أجابني: (إنتي تأمري) فقلت له : (أنا حارسة صحباتي) رد باستهتار (ههههه..صباحتك بتنتظريهم في الضلام هنا؟) لكي أعيش الدور قلت له : (اها ممكن نمشي وين؟) رد سريعا (خرطوم2) عندي شقة واحد صاحبي قاعد براهو نمشي نتكل عندو شوية و بعدين تاخدي ورقك ونتفكفك) صمت للحظات ثم قلت له (آسفة ما بقدر امشي معاك عرضك غير مرضي)..نظر إليٍ بغضب ثم أعطاني كرت صغير يحوي أرقام هواتفه و هو يقول لي (لو غيرتي رايك ده العنوان ..بنتظر رنة منك) ثم غادر.
(5)
هذه المرة إخترت شارعا مغايرا لتقف أمامي سيارتان فترددت أيهما أختار و بعد برهة من الزمن وقع إختياري علي الاقرب و ما أن تقدمت خطوات نحوها لاتفاجا برجل أشيب الراس وجهه ملئ بالتجاعيد علي ما يبدو في منتصف الستينات من العمر و في يده المرتجفة بقايا سجارة لم يطفئها بعد,مددت يدي بالسلام فامسكها بقوة و عيناه يكتنفهما الغموض المريب,ارتجفت ثم عاتبته بلطف لتدارك الموقف (يدي المتني شديد) رد سريعا (خفت انك تغيري رايك و تركبي العربية التانية..الجميل ماشي وين؟) قلت له (رايك شنو) قال لي : (ممكن نحلي مع بعض) حقيقة أندهشت من لغة ذلك الستيني إلا أنني أبديت تجاوبي معه و قلت له (الوجهة وين؟) رد (عند واحدة صحبتي قريبة من هنا) ثم طلب مني صعود العربة لاكمال حدثينا و صعدت بالفعل,ليواصل قائلا: (شكلك كده عندك زباين في المحل ده لكن الغريبة طوالي بجي ارفع من هنا ما صادفتك ليه؟) أجبته سريعا قبل أن يقطع مسافة طويلة (المهم نحنا إتلاقينا,بتدفع كم لزبوناتك؟) ضحك و أجاب بخبث: (إنتي دايرة كم و أنا مستعد بس عندي شرط عشان تراعي عامل السن) في هذه الاثناء قام بالاتصال علي إمراة و دار بينهما حديثا قصيرا مفاده أن تقوم بتجهيز المكان و لها نصيب مالي في تلك الصفقة, وقتها أحسست بالخطر و كان لابد من وجود حل سريع للخروج من تلك الورطة فقلت له: (طيب عشان الليلة تظبط مفروض تشتري ما لذا و طاب),ضحك و قال (مستعجلة مالك؟حنيقف في مطعم جاد و نشتري المطلوب) مرت فترة قصيرة من الصمت ووصلنا شارع المطار فترجل عن سيارته لاحضار و هو يعيد الاتصال و يتحدث مع ذات المراة صاحبة المكان,أنتظرته حتي دلف داخل المطعم فما كان مني الا و أن فتحتت باب السيارة و غادرت مسرعة دون أن أنظر خلفي و قلبي يخفق بقوة لاعود أدراجي و أنا اكثر إشفاقا علي ما وصل اليه حال العديد من الفتيات و النساء من تهاون في الوقت الذي تألمت فيه كثيرا لحال البعض منهن ممن جعلن من الدعارة و الفجور مهنة يقتاتون منها ارزاقهن، و ما قمت به هو لفت نظر للجهات المعنية بالامر و الاسر و المجتمع لاخذ الحيطة و الحذر من أجل أسر معافاة و للرجال و النساء منهم حتي يحفظوا شرف الاخريات منهن و أن يعلموا ان الله رقيبا بعباده و كما دنت تدان.

ياسين الشيخ _ الخرطوم

النيلين

Exit mobile version