اعتقاله أجبر يهودياً على الإشادة بالإسلام محمود عكود.. داعش تقود “تكاسي” إلى المعتقل

محمد الأمين عكود: شقيقي تسبب في إسلام (300) أمريكي خلال ستة أشهر

كان يشتري الذرة لينثرها إلى الطيور حينما تتجمد الطرقات والشوارع

طرق أبواب بعض الشيوخ ليشهدوا في صالحه أمام المحكمة فخذلوه

الخرطوم: الهضيبي يس

عندما نشرنا قصة “محمود عكود” السوداني الذي تحتجزه السلطات الأمريكية، كنا مثل غيرنا، ننظر إلى الأمر على أساس أنه يأتي امتداداً لسلسلة التحقيقيات التي درجت السلطات الأمريكية، على إجرائها مع من تظن أنهم ضالعون في مساندة أو دعم تنظيم “داعش”، ولكن حينما استمعنا إلى شقيقه محمد الأمين الحسن عكود، الذي يعمل أستاذا جامعياً، نما إلى علمنا بعض التفاصيل التي كانت غائبة عن محيط إدراكنا. وهو ما جعلنا ننقل تلك المعلومات إلى القارئ إلى لسان محمد شقيق محمود عكود المتهم بمساعدة شاب للالتحاق بتنظيم “داعش”.

صافرة البداية

بدأ محمد الأمين الحسن عكود الذي جاء مؤخرا من أمريكا لقضاء الإجازة هنا في السودان، حديثه مع (الصيحة) بثقة كبيرة جدا، قائلا إن شقيقه محمود إنسان مختلف الطباع، ويتسم بصفات جميلة منذ ولادته وخلال مراحل طفولته وصباه وفي مرحلة الشباب أيضا، مؤكدا أن محمود نشأ في بيئة عادية قبل أن يرتحل إلى القاهرة ويمكث فيها سنوات طويلة مرافقا لأمه المريضة ومنها للولايات المتحدة الأمريكية، التي واصل فيها حياة الشباب التي نذرها للدين الإسلامي والمجتمع لافتا إلى أنه شخص يمتاز بخصال المسلم المؤمن الذي يعمل على مساعدة الضعفاء والمساكين.

حياة (محمود)

تقول الوقائع إن محمود الأمين الحسن عكود ابن لـ(24) عاما الذي ينحدر من جذور تمتد لمنطقة “تنقاسي” بمحلية مروي ولد بالسودان وترعرع فيه وبدأ حياته العلمية في مدارس الخرطوم التي درس فيها المرحلة الابتدائية ومن بعدها ذهب إلى القاهرة مرافقا لوالدته التي استلزم مرضها الطويل أن تظل هناك فعمد على استكمال الدراسة والتحق بمدارس تدار من قبل الكنائس الأوربية في مصر “على شاكلة مدارس كمبوني بالخرطوم” وهناك درس مرحلتي الوسطى والثانوي وكان متوفقا في دراسته اتقن فيها اللغة الانجليزية بامتياز ودرس مبادئ هندسة الكمبيوتر، قبل أن يقرر دخول جامعة الأزهر الشريف ويتبحر في دراسة علوم الحديث، ويؤكد محمد أن أخاه أكمل حفظ القرآن الكريم باللغتين العربية والانجليزية.

رحلة أمريكا

محمد يشير إلى أن تدهور صحة والدة محمود دفع الأسرة إلى نقلها للولايات المتحدة الأمريكية، قبل عامين لتمكث هناك نحو 6 أشهر ظل محمود مرافقا لها داخل المستشفى حتى توفاها الله، وبعدها دفعت الأسرة محمود لمواصلة تعليمه هناك فاختار محمود الالتحاق بالجامعة الأمريكية لدراسة علوم الحاسوب، ويشير محمد إلى أن شقيقه محمود اجتاز كافة الامتحانات بتفوق ولم يحتاج لفترة تدريب اللغة التي يتم منحها لأي قادم من الدول العربية لأمريكا نظرا لإتقانه اللغة الانجليزية، ويؤكد أنه ظل خلال دراسته مثار إعجاب ودهشة معلميه وخلق علاقات جيدة داخل الحي الذي تسكن فيه الأسرة.

ويمضي محمد في سرد تفاصيل حكاية شقيقه محمود، ويشير إلى أنه لم يركن للدراسة فقط ولكن علاقاته الاجتماعية دفعته ليكون متواصلا مع المسجد الموجود في مدينتهم الأمر الذي دفع لجنة المسجد أن تختاره إماما وخطيباً لها سيما وأنه دارس لعلوم الحديث وحافظا للقرآن باللغتين الانجليزية والعربية، ويتقن التواصل مع الآخرين، ورغم ذلك فقد آثر أن يعمل في أوقات فراغه، فكان يعمل يوميا ما بين 6 إلى سبع ساعات تدر عليه دخلا معقولا يصل إلى 100 دولار يوميا، لافتا إلى أنه رفض أي عمل مكتبي وآثر أن يلتحق بوكالة تعمل على توفير خدمة التاكسي وتوصيل الركاب فكان يتلقى أوامر لنقل الركاب، هنا صمت محمد واخذ نفسا عميقا قبل أن يقول: “كنت اقول له يمكن أن تعمل عملا مكتبيا دون أن تبذل هذا المجهود، ولكنه كان يقول إن العمل المكتبي يمتد لساعات طويلة وبالتالي يحرمه من الصلاة في المسجد، ولكن التاكسي يوفر له أداء الصلاة في أي مسجد متى ما حان موعدها”.

مواقف إنسانية

ويوضح محمد أن محمود كان يشتري الطعام بإيراد يومه ويقوم بتوزيعه على المتشردين ويقوم بإعطاء إيراده كاملا في أيام أخرى لأرملة أو محتاج بل ويقوم بشراء كميات من حبوب الذرة وينثرها للطيور خاصة في فصل الشتاء عندما تغطي الثلوج الأرض، ويرى أن رجلا بهذه الصفات نادرا ما يوجد بين البشر خاصة وأن محمود نفسه كان مصابا بمرض فيروسي يهيج الكلى من حين لآخر لكنه لم يكن يعبأ بهذا الأمر وينذر نفسه للآخرين.

طريق الدعوة

ويقفز محمد إلى منطقة التماس ما بين دعوى الاتهام وما بين حقيقة محمود، عندما قال إن محمود كان مهتما بالتعريف بالإسلام الحقيقي للمجتمع الأمريكي، وقام بتقديم طلب للسلطات بالتصديق بوضع منضدة في الشارع ليجيب من خلالها على أسئلة المارة حول الإسلام وقد كان له فهم واسع لهذا الأمر مستغلا بساطة المجتمع الأمريكي وشغفه بالتعرف على كل ما هو غريب عنهم، ويشير إلى أن البرنامج جذب مجموعة من الشباب للعمل مع محمود قبل أن يجد رواجا كبيرا وسط المارة ويكون منصة لإعلان الكثير من الأمريكان لإسلامهم على يديه قاطعا بأن أكثر من 300 أمريكي اسلموا على يدي محمود خلال ستة أشهر فقط وقال “هذا الشاب صاحب الـ(24) عاما استخدم في الدعوة لغة اتسمت بالبساطة تحبب الناس في الإسلام من خلال حسن المعشر والمعاملة حيث درج على تدريس الناس تعاليم الإسلام عبر ندوة خصصت لهذا الغرض، وكان يقول ويردد إن الإسلام دين خلق ومعاملة” معرفا من بعدها بمصادر الإسلام وما ورد من آيات قرآنية وأحاديث نبوية، مبينا أن ذلك الطريق الذي مضى فيه محمود وكان سعيدا به جعهلم يدبرون له مكيدة محكمة كان القصد منها الإيقاع به والسعي إلى خروجه من المدينة بعد ما بات صاحب سمعة مؤثرة وسط المجتمع الأمريكي.

ما وراء الحدث

ويمضي محمد عكود الأستاذ الجامعي في سرد تفاصيل قصة شقيقه محمود بقوله إن يوم الحادثة نهض محمود في الصباح الباكر بعد إلحاح مني بضرورة الذهاب إلى الجامعة والإسراع بالتسجيل للجامعة قبل فوات فرصة التسجيل والتي أن فاتت سينتظر ثلاثة أشهر قبل أن يُسمح له بالتسجيل من جديد، لافتا إلى أن أخاه كان يتكاسل عن الخروج في ذلك اليوم لكنه رضخ لإلحاحه عليه باعتبار أن ذلك اليوم كان الأخير في فترة التسجيل للجامعة. لافتا إلى محمود غادر بعربته للجامعة وقام بالتسجيل وكان يتواصل معي حول المواد التي يجب أن يختارها لهذا الفصل إلى أن أكمل المهمة، وقال محمد “قلت ليهو خلاص اغشي جيب معاك كسرة”. ويشير إلى أن محمود استقبل مكالمة من وكالة التاكسي طالبته بأخذ أحد الركاب من منطقة قريبة من الجامعة وعندها ذهب لتوصيل أحد الزبائن إلى حي آخر برفقة شخص آخر ويغادر بعدها نحو موقع عمل شقيقته ليتفاجأ بالشرطة هناك تعتقله بتهمة مساعدة الزبون الأخير في الالتحاق بتنظيم “داعش”، بعد أن تم القبض عليه بالمطار.

تفاصيل التحقيق

محمد يكشف عن كثير من التجاوزات التي تمت في قضية أخيه ويقطع بأن الشرطة الأميريكية لا تمتلك أي دليل على أن شقيقه ساعد التحاق المذكور بـ”داعش” فضلا عن استنادها على تسجيل لحديث دار في عربة التاكسي ما بين الزبون المقبوض عليه والرجل الآخر الذي اتضح أنه عميل للشرطة، لافتا إلى أن عميل الشرطة كان يقول للزبون إنه سيذهب إلى تركيا وهناك سيستقبله رجل يسهل له المضي نحو داعش ليتدخل محمود هنا وبصوت واضح ويقول للزبون “لا تذهب فهذا الرجل يكذب عليك، لذلك لا تنصاع لحديثه لأن ما ستفعله خطأ وقد تعاقب عليه بالسجن لأنه يعتبر جريمة”، ويشير إلى أن ذلك مثبت في تقرير الشرطة الذي قدم للقضاء كمستند ولا يشير إلى محمود إلا في فقرة تتكون من سطرين تفرد ما قاله للزبون داعيا له بعدم الذهاب إلى تركيا ويوضح أن محمود لم ينقل الزبون للمطار ولكن لحي قريب من المطار، لافتا إلى أن كل ذلك كان يمكن أن يساهم في إطلاق سراحه بكفالة ولكن الشرطة رفضت ذلك.

الدفاع عن محمود

يقول شقيق محمود إن المحكمة عقدت جلسة لإطلاق سراح محمود بكفالة أهيئة الدفاع استطاعت إثبات عكس ما تدعيه المباحث الفيدرالية التي تمثل جهة الاتهام التي فشلت في إثبات أن محمود مذنب وذي صلة بهذا التنظيم، لافتا إلى أن القاضي طلب منهم أمرين أولهما أن لا يغادر محمود حتى محاكمته فأكدوا له أنه لن يغادر لأن جميع أوراقه الثبوتية لدى المباحث، وبالتالي لن يستطيع المغادرة أما ضمان عدم خطورته على المجتمع فذلك أمر أكده جيران محمود وأساتذته في الجامعة الذين شهدوا له، لافتا إلى أن لديهم جارة تعمل ضابطا في الجيش الأمريكي كانت تجعل محمود ينام مع أطفالها داخل المنزل عندما تكون في مناوبة ليلية موضحا أن كافة الأشخاص الذين شهدوا في المحكمة جاءت شهادتهم لصالح محمود سواء من الجيران أو الأساتذة بالجامعة والأصدقاء، مشيرا إلى أن جميعهم غير مسلمين وبينهم من هو يهودي ومن هو مسيحي، بيد أن وقوفهم مع محمود جاء نتيجة لتعامله معهم ما يدل على سماحة وطيب خلقه.

دفاع اليهودي

محمد يقول إن الشرطة الفيدرالية حاولت تلفيق تهم ضد شقيقه محمود بقوانين أخرى لكن القاضي قطع الطريق عليهم لتدفع بعد ذلك بأن الإسلام نفسه يشكل خطرا على المجتمع، فكان أن طالب بضرورة وجود عالم مسلم ليتحدث عن الإسلام للمحكمة إلا أنهم فوجئوا برفض كل الشيوخ بالمنطقة بالتدخل في هذه القضية وبينهم سودانيون قال عنهم محمد “دكاترة يملأون علينا القنوات ويتمشدقون بنصرة الإسلام ولكنهم جبنوا عندما جاء وقت الحاجة إليهم” لافتا إلى أنه استعان بمدرس أديان في جامعة فرجينيا يعتنق اليهودية، فجاء إلى المحكمة وعندما سأله القاضي عن الإسلام قال: “إن الإسلام هو دين السلام والمحبة ولا يمكن لمسلم أن يؤذي أحدا” لافتا إلى أنه يقوم بتدريس الإسلام واليهودية والمسيحية في الجامعة وشهادته هذه من منظور أكاديمي بحت ليتوجه القاضي نحو الشرطة ويطالبها بايراد الأدلة التي تدمغ محمود بالتورط في هذه القضية وهو ما لم يستطع رجل الشرطة الممثل للمباحث الإجابة عليه حيث امهل القاضي الشرطة مهلة حتى الخامس عشر من مارس القادم مع التأكيد القاطع بعدم الاستمرار والتجديد في حبس محمود دون وجود دليل دامغ يثبت أحقية ما قامت به الشرطة الفيدرالية.

جهود رسمية

محمد أكد أن السفارة السودانية بأمريكا ظلت تتابع القضية منذ بدايتها وكانت حاضرة في الجلسة الأولى إلا أنه ناشد الحكومة السودانية، بالالتفات إلى قضية أخية ومد يد المساعدة، سيما وإن المحامين الذين يعملون على مثل هذه القضايا يحسبون على أصابع اليد الواحدة وتكلفة أتعابهم عالية وقد تصل إلى 800 ألف دولار، بيد أنه بدا مطمئنا إلى أن أخاه سيغادر المعتقل قريبا باعتبار أنه لا توجد أدلة تثبت تورطه في القضية، لافتا إلى أن القضية أسست على معلومات مغلوطة وتستهدف فقط إيقاف مشروع أخيه الدعوي، متخوفا من أن يخضع لمساومات تبعده عن العمل الدعوي الذي بدأه.

الصيحة

Exit mobile version