سوار الذهب والوحدة مع مصر

أخيراً قالها المشير عبد الرحمن سوار الدهب لصحيفة “اليوم السابع” المصرية وقبل ذلك صدع بها البروف علي شمو أنهما يتمنيان الوحدة بين السودان ومصر.
فقد قال سوار الدهب على هامش مشاركته بمجلس حكماء المسلمين المنعقد مؤخرًا بجاكرتا: (أتمنى اليوم الذي تزول فيه الحدود بين السودان ومصر، ويعود وادي النيل كما كان)، مذكراً بأن الدول الأوربية التي حدثت بينها حروب أودت بحياة ما لا يقل عن (50) مليون شخص في الحرب العالمية الثانية (توحدت وأصبحت قوة واحدة وبدأوا بوحدة اقتصادية ثم سياسية والآن عسكرية).
سوار الدهب دعا كذلك إلى وحدة الأمة العربية مؤكداً أنها تتجه الآن نحو مصير مظلم، مشيراً إلى مقولة بن غوريون -أول رئيس وزراء إسرائيلي -حين سئل عن كيف لإسرائيل أن تقوى على مواجهة العرب فأجاب: (سنشغل العرب بأنفسهم) وهو عين ما فعلوا بالعرب الذين يحاربون بعضهم بعضا الآن بدلاً من أن يحاربوا ويقتلعوا عدوهم الاستراتيجي (إسرائيل) من الأرض المقدسة.
بين يدي حديث الرجلين الكبيرين سوار الذهب وعلي شمو، أود أن أذكر بما ظللنا نجتره من وقائع تاريخية تأبى النخب السودانية أن تغوص في أعماقها تحليلاً وتعليقاً فقد كتبنا مرارًا عن كيف استنفدت بريطانيا أيام الاستعمار الثنائي الإنجليزي المصري جهدها في سبيل فصل السودان عن مصر وتوحيد الجنوب بالشمال، وكتبنا مراراً عن اعتراف السكرتير الإداري الاستعماري جيمس روبرتسون بأنه زوّر إرادة الجنوبيين في مؤتمر جوبا عام 1947 ليفضي إلى الوحدة بالرغم من أن النخب والسلاطين الجنوبيين الذين شاركوا فيه كانوا يريدون الانفصال بينما اجتهد الإنجليز في ذات الوقت في إثناء الأزهري والحزب الوطني (الاتحادي) – الذي كان يهدف إلى الوحدة مع مصر – إثنائه عن الوحدة مع مصر، وقد أثبت الباحث جمال الشريف بما كشف عنه من وثائق جانباً من تلك المؤامرة الإنجليزية التي باعدت ببن السودان ومصر .
بعيداً عن (المناقرات) التي تستدعي بعض الوقائع التاريخية سيما الحروب التي حدثت بين الشعبين وفترات الاستعمار التي عمقت الشعور القومي المعادي لمصر والنزاعات الحدودية مثل الخلاف حول حلايب وكذلك بعض الاختلافات في طباع الشعبين .. بعيداً عن كل ذلك فإن السوداني – والحق يقال – لا يفكر إن هم بالسفر الى بلد آخر للعلاج أو السياحة إلا في مصر، وإذا كنا قد استشهدنا بما أورده سوار الدهب عن كيف تمضي الدول الأوربية نحو التوحد الذي أملته الحاجة إلى نهضة شعوبها رغم ملايين الأنفس التي أُزهقت خلال الحربين العالميتين ورغم اختلاف اللغة والطباع فإنه لمن الغباء وقصر النظر ألا نفكر، ولو مستقبلاً، فيما يمكن أن تحدثه الوحدة ببن السودان ومصر من تغيير إستراتيجي هائل في مستقبل الدولتين والشعبين.
أبسط تعبير عما تعنيه وحدة الدولتين يمكن أن نورد مثالاً له في أن تكون الإسكندرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط جزءاً من وطن الفرد السوداني يتحرك نحوها من أية بقعة في السودان دون عائق وكذلك يمكن للمصري أن يتحرك من الإسكندرية حتى كوستي أو الدلنج أو الدمازين كجزء من وطنه الكبير.
لم يحدث أن انفجرت في أي يوم من الأيام أحداث إثنين أسود من الشعب المصري في قلب الخرطوم كما لم تندلع حرب في أي يوم من الأيام بين أكثر من مليوني سوداني يعيشون في مصر والشعب المصري، ولم تعكر صفو الشعبين حرب امتدت نصف قرن من الزمان، إنما ظل الشعبان يتزاوران ويعامل السوداني باحترام شديد في مصر والعكس صحيح.
ليس بالضرورة أن تنشأ وحدة اندماجية فورية بين الشعبين، فذلك ما لن ينجح إنما الأفضل أن يصار إلى ذلك بتدرج شبيه بمسيرة التوحد بين الدول الأوربية، كما أن الأمر لن يتيسر في القريب العاجل نظرًا لاختلاف نظامي الحكم وانشغال البلدين بقضايا سياسية أكثر إلحاحاً، وما لم تنتقل الدولتان إلى أنظمة حكم ديمقراطي فإن الحديث عن وحدة الشعبين لا تعدو أن تكون مجرد أحلام (ظلوط).
الدول الكبرى مساحة وسكاناً إذا توافر الحكم الراشد تختزل الزمن وتختصر المسافات نحو تحقيق النهضة والتقدم، ذلك أن الوحدة تعني تكامل الموارد البشرية والمادية.. والحديث ذو شجون.

Exit mobile version