عبدالله إبراهيم علي : لتنسجم أقوالنا مع أفعالنا

البعض من الناس قد يتناول حقيقةً علمية أو ثقافية أو اجتماعية لغيره، لكنه لا يعمل بها، وقد يُظهر خلاف ما يبطن، كأن يقول كلاماً أو فعلاً فلا يطبقه، والإنسان أحياناً ينهى عن شيء لكنه لا يقدر أن يتركه لعذرٍ بينه وبين الله فلا ينبغي إساءة الظن به، والواقع فعلاً أن يقول الإنسان قولاً ولم يفعل به، وهذا أمر متفق عليه عقلاً ونقلاً وشرعاً، فيقول الله تعالي (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) ويقول (لم تقولون مالا تفعلون) ولكن ينبغي أن نعلم أن الإنسان قد ينهى عن شيء ثم يأتيه اضطراراً دون أن يعلم الناس موطنَ اضطراره، ومن عرف خبرته في الحياة حقاً، كان أكثر الناس عذراً للخلق، ويحضرني قول أبو الأسود في بيت شهير: لا تنـه عـن خلـق وتأتـي مثلـه عــار عليــك إذا فعلــت عظيــم.. فقد نقول أقوالاً تتنافى مع أفعالنا، أو لا نطبقها، ونأمر غيرنا بفعلها، وقد لا نختلف على أن الواقع الحالي أصبح واقعاً تغلب عليه الشكليات والماديات، مما يتوجب معه كثيراً قول الانسان ما لا يؤمن به ولا يعتقده، فيضطر في بعض الأحيان لإخفاء بعض الحقائق أو إدعاء حقائق أخرى ينصح بها الناس ويفعل أشياء مخالفة لما يقوله، ويمدح أحياناً من لا يستحق لمجرد مصلحة عاجلة أو آجلة، ويدَعي المعرفة في أحيان أخرى لأجل الحصول على منصب أو غيره، وهو يعلم أن الوعد مسؤول، وقد يقول القولة فيكذب فيها أو يبالغ ويرائي وهو يعلم أن كل هذا منهي عنه عقلاً وأخلاقاً.
فكم هناك من أشخاصٍ وجماعات يرفعون شعارات مثالية مضمونها رفيع المعاني والخلق الكريم، في حين أن كل ما يفعلونه نقيض لما يقولون، فما نكتبه أو نعبر عنه هو شعارنا يكشف منبتنا، فكيف لا نطبقه حتى نكون أمناء مع أنفسنا وصادقين مع الآخرين؟ في المقابل نلاحظ الطفل عندما يتلقى كلاماً كثيراً ويرى فعلاً يخالفه من طرف قدوته، يتعلم تلقائياً ما يُسمى بالنفاق المجتمعي، ولكن إن رأى الصدق في أفعال قدوته، يظن أنه من المستحيل أن ينشأ على غير الصدق في القول والفعل.
أخيراً يروى عن (غاندي) أنه حينما جاءته أمٌ مع ابنها، من قرية هندية نائية، طالبة منه أن يأمر ابنها بالتوقف عن أكل السكر، نظر غاندي إليها وإلى طفلها وقال “عودي إليَّ ومعك ابنك بعد أسبوعين”، أصيبت الأم بخيبة الأمل عندما صرفها عنه، ولكنها عادت بعد أسبوعين لتكرر نفس الطلب، التفت غاندي في هذه المرة إلى الطفل وقال له: توقف عن أكل السكر، فإنه يضر بصحتك يا بني، ونظرًا إلى ما يُكنُّه الطفل من حب وتقدير لزعيمه، وافق على الفور على الامتناع عن أكل السكر، وهنا نظرت الأم إلى غاندي وقالت له: لماذا لم تطلب منه ذلك قبل أسبوعين؟ فقال لها “كان يجب عليَ أن أتوقف أنا أولاً عن أكل السكر، قبل أن أطلب ذلك من الصبي” فهذا الزعيم العظيم يدرك تمامًا معنى الانسجام بين الأقوال والأفعال، ولهذا كان تأثيره عظيمًا فيمن حوله، إذن لنبدأ نحن بأنفسنا أولاً ثم الآخرين.

Exit mobile version