رسالة إلى وزير العدل والمراجع القومي

* إذا كان التحقيق (التاريخي) الذي نشرته صحيفة (التيار) – رد الله غربتها – حول قضية الأقطان قد احتل مكانةً سامقةً في عالم التحقيقات الاستقصائية التي أعدتها الصحافة السودانية، فإن تحقيق (الزلزال) الذي تنشره (اليوم التالي) على حلقات هذه الأيام، لا يقل عن تحقيق (الأقطان) في أهميته وجرأته وقيمة الأموال العامة المهدرة فيه.
* الفارق الوحيد – والمؤثر جدا – بين القضيتين، أن الأولى وصلت حدها، بدخولها ردهات المحاكم، وصدور أحكام رادعة، قضت بإدانة المتورطين فيها وسجنهم، وتغريمهم، بينما ما زالت الثانية تكافح كي تبلغ ساحة قضاءٍ عادل، اشتهر بالنزاهة والصرامة في التعامل مع من يعتدون على أموال الشعب.
* هناك فارق آخر أكثر تأثيراً، وأشد لفتاً للانتباه، مفاده أن المتورطين في القضية الأولى كانوا مسؤولين عن شركة حكومية تتولى تصدير الأقطان، بينما يلعب دور البطولة في القضية الثانية مسؤول بدرجة وزير ولائي، تتربح جامعة مملوكة له من مستشفى حكوميٍ، بسطت هيمنتها عليه بموجب عقدٍ أفتى المراجع القومي ببطلانه.
* تاجر أولئك في صادرات القطن وتلاعبوا فيها، بينما تاجر هؤلاء في آهات المرضى وتربح من آلامهم، فأي الفعلين أشد قسوةً وأفدح جرماً؟
* يستند تحقيق (الزلزال) إلى تقارير رسمية محققة ودقيقة، أصدرها جهاز المراجعة القومي بولاية الخرطوم، وأثبت فيها جملة من المخالفات المالية والإدارية، التي لم تجد من يهتم بها، ويحاسب المتورطين فيها حساباً يليق بما اقترفته أياديهم.
* التقرير الذي أعده مولانا محمد جمُر أقوف (الذي نحييه على صدقه وشجاعته وأمانته ونصاعة حجته)، حوى حقائق تشيب لهولها الولدان، وحمل مسمى (مخالفات عقد وزارة الصحة وأكاديمية العلوم الطبية في إدارة المستشفى المقام على قطعة الأرض بالرقم 14/1 مربع 9 امتداد الدرجة الثالثة الخرطوم).
* أخطر ما يشوب قضية المستشفى الأكاديمي أن المدافعين عن الباطل فيها أفتوا بأن النيابة شطبت الدعوى القضائية التي رفعت فيها، ونشروا ذلك في الصحف، بجرأة تثير الاستغراب والاستهجان على حد السواء.
* ادعوا أن ذلك البلاغ تم شطبه في مرحلة التحري، مع أن معلوماتنا تفيد أن النيابة لم تحقق أصلاً مع من أعدوا التقرير، ولم تستجوب أي ممثل لديوان المراجعة القومي حوله.
* لو صح زعمهم فتلك مصيبة، لأن النيابة لا تبرم عادة أي تسويات، ولا تشطب أي بلاغٍ يستند إلى تقرير يصدره المراجع القومي حول قضايا التعدي على المال العام، قبل أن تتحقق منه تماماً.
* ولو كذب زعمهم وخاب فالمصيبة أعظم وأجل، لأن من نشروا تلك المعلومة المفجعة يكونون قد سرقوا لسان النيابة، ودمغوها بما ليس فيها.
* بحلول يوم 12 مارس الماضي يكون قد مضى على تاريخ صدور ذلك التقرير الخطير عامان كاملان، بخلاف الأعوام التي تراكمت فيها المخالفات المرصودة، من دون أن تحظى بما تستحقه من عناية وتحقيق ومحاسبة.
* لذلك نسأل مولانا الدكتور عوض الحسن النور وزير العدل: هل صحيح أن النيابة شطبت البلاغ المقدم من وزارة الصحة بولاية الخرطوم ضد جامعة العلوم الطبية قبل أن تسمع شهادة المراجع القومي فيه؟
* ونسأل المراجع القومي، مولانا الطاهر عبد القيوم: هل صحيح أن تقريركم أتى مجانباً للصواب، ومنافياً للصحة والدقة بدرجة تستوجب شطب الإجراءات القانونية التي تم تحريكها بموجبه في مرحلة التحري، قبل أن تبلغ ردهات المحاكم؟
* ننتظر الإجابتين، وندرك أن عين العدالة لا تنام، وأن بلادنا وحقوق أهلنا محروسةً برجال لا يخشون في الحق لومة لائم.
* نواصل، ونرجو أن يحظى السؤالان المحوريان بما يستحقان من عناية واهتمام.

Exit mobile version