السعودية ومصر: رهانات صعبة

يحمل لقاء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بالرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي حمولة تاريخية جديدة ـ قديمة، فرغم أن الحكم الحالي في القاهرة يمثّل في منظومته العسكرية ـ الأمنية استعادة «الدولة العميقة» سلطاتها (بعد العزل القسريّ للرئيس محمد مرسي)، ولكن النظام الحاليّ لم يستعد، كما توقّعت الرياض، سياسات الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي كان الحليف الطبيعيّ للسعودية.
أيّامها كان حلف مصر مع السعودية هو الناظم الأكبر الذي يسيّر قاطرة النظام العربيّ وكانت إطلالات القذّافي «السعيدة»، ومحاضرات «الدكتور» بشّار الأسد، في القمم العربية، لا تفعل غير أن تقدّم بعض التسلية لقطبي النظام العربيّ الكبيرين.
تحكمت في ردود فعل نظام السيسي العالمية والإقليمية معركته الداخلية مع الإخوان المسلمين، وخصوصاً بعد المذبحة الشهيرة في ساحتي «رابعة» و«النهضة»، وهو ما فاقم الأزمة السياسية في البلاد مفاقمة غير مسبوقة، فأصبح الصراع في الجسم الأهليّ والسياسي المصري هو البوصلة التي تحدّد سياسات النظام في المنطقة العربية، وهو ما دفع إلى خلاف صريح مع قطر وتركيّا، وتدخّل عسكريّ في الشأن الليبي، ومنافحة «استراتيجية» عن نظام بشار الأسد، وفتح خطوط سياسية مع الحوثيين في اليمن، وغزل مع إيران، ومراهنة على حلف مع روسيا.
السعودية أيضاً، مدفوعة برغبتها في استعادة النظام المصريّ القديم، وقلقها من اشتداد قوّة حركات الإسلام السياسي التي تبعت الثورات العربية، واستجابة لضغوط حلفاء خليجيين، اختلفت بدورها مع تركيّا وقطر، وغضّت الطرف عن تمدّد الحوثيين وضربهم للإخوان، وتركت ترتيب أمور ليبيا وتونس لمصر والإمارات، وأيّدت بشدّة قمع النظام المصري لخصومه الإسلاميين.
أعقبت ذلك استفاقة سعودية مفاجئة على وضع كارثيّ، ففي اليمن استولى الحوثيون وقوات صالح على صنعاء فارضين تحالف أمر واقع مع إيران، وأدّى خلاف الرعاة السعوديين والأتراك في سوريا إلى تراجع مدّ الثورة وصعود إيران وروسيا وحلفائهما، من جهة، وانتشار تنظيم «الدولة الإسلامية» من جهة أخرى، وتفاقمت الأمور في ليبيا بدورها وتحوّلت إلى دولة فاشلة بحكومتين وبرلمانين وجيشين، إضافة إلى استيلاء «الدولة الإسلامية» على سرت وتمدّدها باتجاه تونس والجزائر.
وبدلاً من اقتسام العالم العربي أيام عبد الناصر بين مصر والسعودية، أو التحالف السياسي بين الدولتين أيام مبارك، دخلت مصر والسعودية لحظة معقّدة وملتبسة تتضارب فيها الأولويات، فالسعودية أضحت تحت الحصار الإيراني من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، فيما مصر السيسي مشغولة بمطاردة «الإخوان» والاشتباك مع رعاتهم الإقليميين، وهو ما انعكس مواقف سياسية مصريّة تصبّ بوضوح في الطاحونة الإيرانية وتناقض الجهد السياسي والعسكري السعودي في كل المناطق العربية المشتعلة.
لكلّ الأسباب الآنفة فِإن الرهان السعودي يبدو صعباً فمعالمه تقول إن الرياض ترغب في دعم الاستقرار الاقتصادي المصري مقابل مساندتها في حربها العسكرية والسياسية مع إيران، وسبب صعوبة الأمر أن الرهان على الاستقرار الاقتصادي من دون استقرار سياسيّ، (والأخير غير ممكن من دون تسوية سياسية مع الإخوان المسلمين) سيعطي مفعولاً مخدّراً وآنيّا، كما حصل مع القروض والمنح السابقة، ومن دون استقرار سياسيّ فإن جذر المواقف السياسية للقاهرة في الإقليم لن يتغير.
مع ذلك فقد تنعكس معادلة «الدعم الماليّ مقابل المواقف السياسية» انفراجاً على الجبهة الليبية، بسبب النفوذ المصريّ على حكومة طبرق، ولأن طبخة التسوية السياسية أصبحت أكثر نضجاً مع وجود حكومة الوفاق في طرابلس والإجماع الدولي على دعمها.
السعوديّة، بسبب أسعار النفط المنخفضة، ليست في أحسن أحوالها الاقتصاديّة، ولذلك فإن الدعم للنظام المصريّ (الذي يستفيد من انخفاض سعر النفط بما يعادل 5 مليارات دولار في العام) سيكون مدروساً ويتوازى مع قائمة المطلوبات، وهو أمر قد لا يرضي «حيتان» الجيش والنظام، ولكنّ الانهيار المتسارع في الاقتصاد والجنيه المصريين جعل المراوحة المصرية في الموقف بين السعودية وإيران مقامرة خطيرة.

رأي القدس

 

 

Exit mobile version