لماذا ستعيد مصر حلايب وشلاتين الى السودان؟ تعرف على خسائر السيسي اذا لم يعلن حلايب سودانية

لو أصر النظام المصري على الاستمرار في احتلال منطقتى حلايب وشلاتين وادعاء تبعيتهما لمصر ورفض اللجوء للتحكيم الدولي فسوف يخسر كثيراً على المديين القصير والطويل. فالسودانيون لم ينسوا مرارة التخلي عن 150 كيلومتراً لصالح بحيرة النوبة وتهجير أهالي المنطقة واغراق مدينة وادي حلفا وما حولها لمصلحة مصر دون أي مقابل.

والسودانيون معروف عنهم أنهم لا يتخلون عن حقوقهم أبداً مهما طال الزمن ففي واقع الأمر وعلى مستوى اللجوء للتحكيم الدولي فإن قضية حلايب وشلاتين بقيت معروضة على منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ فبراير 1958 وظل السودان يقوم بتجديد هذا الملف كل عام في مثابرة منقطعة النظير ولم يتخل عنه كما لم يتخلف في أي سنة من السنوات عن تجديد القضية. إضافة إلى أن السودانيين متأكدون تماماً – والنظام المصري يعلم ذلك – أنهم يملكون من الوثائق ما يضمن تبعية المنطقة للسودان وأنه حتى الوثائق الحكومية المصرية الرسمية تؤكد تبعية المنطقة للسودان.

علماً بأن السودان قد يلجأ للحل العسكري لو اضطر إليه حيال فشل الحل الدبلوماسي وقد سبق أن أعلن السودان التعبئة العامة في عام 1958 حين أدخل النظام المصري آنذاك قوات عسكرية للمنطقة بغرض احتلالها عسكرياً. وما لم يدرك الاستراتيجيون والسياسيون والعقلاء المصريون حقيقة أن مصر هي في الموقف الأضعف دائماً في مواجهة السودان من حيث اعتمادها الكامل على السودان وعلى نهر النيل وأن دولة المصب هي الأضعف دائماً فسوف تدفع مصر ثمناً فادحاً على المدى الطويل جراء تدهور العلاقات السودانية المصرية بسبب مشكلة حلايب وشلاتين والأطماع في التعدين والبترول في المنطقة وذلك أن السودان قد يولي وجهه شطر حلفاء آخرين في المنطقة أو يقوم بتوقيع اتفاقيات مع دول المنبع تؤثر على نصيب مصر وحصتها في مياه النيل وهو ما لا يصب في مصلحة مصر بأي حال من الأحوال.

إن السياسات التي ظلت مصر تنتهجها تجاه السودان من كونه الحديقة الخلفية لمصر أو ادعاءات التبعية ينبغي أن تتغير بسرعة لو أرادت مصر أن تحافظ على علاقات مستقبلية متوازنة مع جارتها الجنوبية التي ظلت تساندها وتدعمها في جميع الأزمات والحروب التاريخية التي مرت بها دون قيد أو شرط. كما أن على النظام المصري الحالي أن يعلم أن النشاط الاستخباري المتزايد تجاه الجارة الجنوبية يأتي بنتائج عكسية غالباً وتكون نتيجته تباعد الشقة بين الجارتين بدلاً من التقارب أو تمثيلية التكامل التي برعت فيها الأنظمة المصرية وظلت تتقن تمثيلها تجاه السودان خلال العهود الماضية.

إن موضوع الكسب والخسارة من الناحية العسكرية لا تحددها كثرة العدد ولا العتاد العسكري وإنما تحكمها عوامل كثيرة تشترك فيها الجيوبوليتيكا والمناخ السياسي والدول المحيطة وعوامل أخرى كثيرة. ولا أظن أن مصر ستكسب شيئاً من تصعيد الموقف لأي تجاه أي عمل عسكري لأنها سوف تكسب عداء دائماً من ناحية السودان وهي في غنى عن ذلك فيكفي مصر جبهة سيناء من الشرق وجبهة ليبيا من الغرب. وبمنطق الربح والخسارة فإن شلاتين وحلايب لا تساوي شيئاً في مقابل حياة مصر واعتمادها بالكامل على نهر النيل الذي من الممكن أن يكون اقوى سلاح لكسب الحرب!!

سلاح المياه هو أخطر الأسلحة
لو فكر النظام المصري قليلاً فسوف يجد أنه خسر كثيراً بتوتر العلاقات السودانية المصرية فمن الواضح أن السودان لم يقف مع مصر حين انفردت الدول المشاطئة بتوقيع اتفاقية عنتيبي وحين قامت اثيوبيا منفردة ببناء سد النهضة وأن حصة مصر (التاريخية) في مياه النيل لم تعد معترفاً بها وأن هذه هي البداية فقط.. فالسودان حين رضي بتقرير مصير دولة جنوب السودان وزيادة عدد دول المنبع كان يعلم أن ذلك ليس في مصلحة مصر وأن مصر لن تستطيع أن تفعل أي شيء تجاه هذا الأمر والسودان وقع اتفاقيات مع اثيوبيا للاستفادة من سد النهضة وأن العلاقات السودانية الإثيوبية تسير في اتجاه إيجابي فالسودان اتجه شرقاً بالتأكيد علماً بأن الشعب الإثيوبي أقرب في طبيعته للسودانيين من الشعب المصري الذي ينظر للسودانيين نظرة الدونية والتبعية وهو ما لا يقبله السودانيون. المشكلة الكبيرة هي أن السياسات المصرية تجاه الشعب السوداني وتجاه الأنظمة والحكومات السودانية لم تتغير فاستراتيجية مصر مبنية على أن مصر هي من يفكر للسودانيين ويخطط لهم ويتخذ القرارات والمواقف الدولية بالإنابة عنهم. وإلى وقت قريب كان جميع السفراء والمبعوثين والدبلوماسيين المصريين الذين يوفدون للسودان وحتى موظفي الري المصري في السودان هم من جهاز الاستخبارات المصري!!

بقلم
د. عمر فضل الله
(الروائي السوداني – المؤرخ- خبير الشئون الاستراتيجية – وأنظمة الحكومة الإلكترونية)

Exit mobile version