بعض الناس يحفرون القبور بمدينة امدرمان ويبيعونها جاهزة لمن يرغب !

مثل اي سوداني يدركه خبر موت حاضر ؛ وتشييع لازم ؛ انتقلت للحاق (دافنة) بمقابر حمد النيل ؛ كان الليل قد أرخي سدوله فتحولت ظلمة المقبرة العتيقة لطقس مشبع بالخيالات ؛ وانا اعبر من فوق فتحة في الجدار القصير الذي تآكل وطأت قدمي تل قمامة ؛ انزعحت لبرهة وجفلت ؛ كان اهل العزاء في الحانب الشرقي وقد اتيت انا من الغربي ؛ كان لزاما علي ان اشق سيرا مساحة عريضة داكنة الفضاء ؛ لم تكن هناك اضاءة تعين السائرين ؛ فاتخذت من ضوء جوالي مرشدا ؛ كنت ادور حول قبر ؛ اتحاشي شاهدا ؛ اطأ تربة ناعمة ؛ بدت مثل تل شاده الرمل ؛ لا اخفي اني كنت فزعا ؛ دونما سبب لكني فزعت ؛ المسافة التي اعبرها شعرت بها رحلة مسافر في مجهول ؛ شيئا فشيئا ايقنت انه من الاسلم الي العودة الي نقطة دخولي ؛ والالتفاف مع السور شمالا ثم شرقا ؛ توقفت للحظة اتحسس مساري الذي دخلت به ؛ ضللت وتهت ؛ قط اسود قفز من وراء شاهد ؛ كان يفر من مطاردة رفيق له او رفيقة ؛ صوت المواء المهتاج ؛ وخربشة العراك جعلتني اسرع بشكل متخبط ؛ هممت بقذفهما بحجر ثم اعتبرت الامر حماقة ؛ قد يكون الشيطان جني فيرتد الحجر نحوي لعنة ما ؛ شددت خطوي ؛ خدش شاهد حديدي طرف ساقي ؛ لم ابالي ؛ واصلت سيري الي السور وقفزت فوقه اعبره (شبحا) فالتقطت اضواء السيارات ومعها ضوء ارتياح فتوقفت اعيد ترتيب قميصي وانفض بعض غبار عن بنطالي ؛ سرت بمحاذاة السور ؛ كان هناك مشتل ؛ حذو سور المقابر يعرض ازهارا واصصا ؛ بعض مشغولات صنعت من حجار ؛ عبرت البائع لم انظر اليه ؛ كنت قد وصلت الجانب الممتد للسور قبالة الجامعة الاهلية ؛ هذا مسار افضل واسلم قلت لنفسي ؛ وشابين عند زاوية المقبرة يلاحقاني بالنداء ؛ توقفت ارجو استفسارهما ؛ عالاجاني بقول عاجل (عاوز قبر ؟) ؛ كان استفهاما محيرا ؛ بلعت معه ريقي وقطعت حبل صوتيا فخرج صوت مني لا اعرف هل هو انكار ام نفي ؛ فاستوضحا بانهما لاحظا ان جلت داخل المقابر ثم خرجت ؛ هذا عني لهما ان وفد مقدمة لتجهيز قبر ؛ اصبت بحالة شلل صوتي ؛ بلعت ريقي للمرة الثانية فلم ازدرد شيئا سوي الهواء ! حتي اني كححت ! كنت اقف معلقا عحزت حتي عن رد تطفلهما المتصاعد ؛ وهما يشرحان ؛ القبر (محفور) ومعد بكذا واضافا ولان الوقت ليل فانه مضاعف ! وان هناك فرصة للمجاملة ! بتخفيض يراعي مصابي وحينها كانت الدهشة قد انعشت وعيي فقلت بضيق لا اريد قبرا وانما حضرت لدفن ؛ قلتها وانا ابسمل واحوقل ؛ لحيظات وتلاشي اصحاب العرض حتي اني ظننتهما شيطانين ؛ واصلت سيري وانا اتلفت ؛ لمحتهما يقفان في طرف بناء بالجانب المقابل للمقابر ؛ مضيت واديت واجب التشييع ؛ كان بعض اقارب المتوفي وجيرانه بالحي يجمعون ادوات الحفر وبعض الاواني ويصبون الماء علي بعض القبور ؛قصصت عليهم ما جري فقالوا هذا يحدث ؛ وان بعض الناس يحفرون القبور ويبيعونها جاهزة لمن يرغب !

الخرطوم: محمد حامد جمعة

Exit mobile version