أحمد المسلمانى: الناتو العربي المصغَّر.. مصر وليبيا والسودان

دعوتُ في أعقابِ ثورة يناير إلى بحثِ تأسيسِ اتحاد كونفيدرالى يضمُّ مصر وليبيا والسودان.. وأبلغَنى وزير الخارجية وقتها الدكتور نبيل العربى بأنّهُ قرأ ما طرحتُ.. وأنَّهُ بَدَأَ البحثَ في ذلك بالفعل.

ولقد لاقتْ هذه الدعوة أنماطًا مختلفة من الهجوم.. من قائلٍ بأنها فكرة سبقَ طرحُها في عهد الرئيس عبدالناصر.. ولم تتم. ومن قائلٍ بأن ليبيا بلا سلطة.. وتعانى انهيار الدولة.. وأن في السودان نظامًا دينيًا يصطدم مع الفكر السياسى القائم في مصر.. فكيف يكون التحالف بين مصر التي لديها مشاكلها.. وليبيا التي تعانى الغياب، والسودان الذي يعتنق أيديولوجيا مغايرة للدولة المصرية؟

«1» كانت دعوتى عبْر مقالٍ نشرته «المصرى اليوم» في إبريل 2011 بعنوان «كونفيدرالية جديدة.. مصر وليبيا والسودان».. ثم عدتُ وطرحتُها في إبريل 2014، في حوارٍ مع الأستاذ عمرو عبدالحميد على قناة «الحياة».

وكانتْ عودتى بعد ثلاث سنوات للحديثِ ذاته ردًّا على دعوة آخرين عبْر قناة الجزيرة ومن خلال دعمٍ قَطَرىّ لفكرة إقامة تحالف كونفيدرالى بين السودان وإثيوبيا.

«2» ليس في قولِ البعضِ إن الرئيس عبدالناصر قد حَاوَلَ.. أو أنّ هناك وضعًا كارثيًا في ليبيا وأيديولوجيا مختلفة في السودان.. أىّ جديد. فهذا أمر يعرفه التلاميذ المتفوقون في المدارس الإعدادية.

إن هذه الأطروحات الجديدة.. تشاركُ في وضع نظرية سياسية لبلادنا.. وتساهم في دعم صناعة واتخاذ القرار.. بأفكارٍ وآراء هي جزءٌ من الاستعداد للمستقبل.

إنها بالضبط هذه الكلمة «الاستعداد».. ثم خلق وتهيئة الاستعداد.. من أجل الوصول إلى الهدف حين تتوفَّر له الشروط المناسبة والبيئة الدوليّة السَّانِحة.

إنّ الفرصة تأتى لمن يخلُقُها ويستعدُّ لها.. وكم من فرصةٍ فاتتْ لأنه لم تكن هناك النظريات الكبرى.. أو السيناريوهات الجاهزة.

إن العالم يستعد لنا بعشرات السيناريوهات السيئة.. وفى كل لحظة إخفاقٍ أو صعودٍ.. يخرجُ علينا بالسيناريو الأنسب.. فلماذا لا تكون لدينا السيناريوهات المضادة.. والبدائل المخطَّطَة؟

«3» إن دعوة اليوم إلى بحث تأسيس «ناتو عربى مصغر» يضم مصر وليبيا والسودان.. هي استكمال الجانب العسكرى من فكرة الكونفيدرالية.. أو تأسيس البينولوكس العربى بين القاهرة وطرابلس والخرطوم.

«4» تمثل دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى تأسيس القوة العربية المشتركة.. كما تمثل لقاءات رؤساء أركان الجيوش العربية.. أساسًا لحلمٍ كبير وعظيم.. وهو تأسيس «ناتو عربى». ومن المؤكد أن هناك نوايا مخلصة لدى بعض العواصم العربية لمشروع «الناتو العربى الكبير».. لكن الجدول الزمنى يبدو لنا من إيقاع ما مضى.. إن العواصم العربية أمامها وقتٌ أطول من المستطاع.. من أجل هذا الأمل.

هنا تتبدى أهمية دراسة تأسيس «ناتو ثلاثى» سيكون نواة الناتو العربى.. الذي عليه أن يتوسع شرقًا وغربًا.

«5» سيعود كثيرون للقول.. إن هناك اختلافًا بين مصر والسودان.. وإن هناك انهيارًا في ليبيا.. وليس بالإمكان عمل شىءٍ في الوقت الراهن.

ولكن التأمل في المشهد ربما يذهب بنا إلى العكس تمامًا.. ذلك أن هدف «الناتو المصغَّر» هو حماية الدولة في مصر والسودان وليبيا. إن خطر الإرهاب في مصر وليبيا.. وخطر «الانفصال الثانى» المدعوم خارجيًا في السودان.. إنما يُوجِب التحالف العسكرى.

إن الهدف واضح تمامًا.. محاربة الإرهاب.. والحفاظ على الدولة في السودان.. واستعادة الدولة في ليبيا.

يمنح التحالف العسكرى الثلاثى للجيوش الثلاثة التواجد في إدارة الأزمات.. والعمل معًا من أجل مكافحة تمدد داعش والحركات المتطرفة.

إن المشكلات بين دول حلف شمال الأطلسى «الناتو» أكبر كثيرًا مما هي بيننا.. ومعضلات الحدود التاريخية والحروب العالمية والمنافسات الاستعمارية.. لم تمنع أوروبا من التحالف عبْر الناتو.. والقيام بمهام الحلف في الداخل والخارج.

يمنح «الناتو المصغر» لمصر فرصة كبرى في مكافحة الإرهاب داخل وخارج أراضيها.. ويمنح ليبيا فرصةً وحيدةً لاستعادة قوتها.. وحماية ثرواتها من تلك الطائرات التي تحطّ والسفن التي ترسو.. دون أن نعرف من أين أتتْ ولا إلى أين تمضى.. ولا ما نقلتْ حين جاءتْ أو حملتْ حين غادرتْ.

ويمنح السودان الذي يواجه مؤامرة كبرى من الخارج.. تستهدف الوحدة والثروة.. المكان والمكانة.. فرصةً حقيقية.. للصمود والانطلاق.

إنها مصلحتنا جميعًا.. وبالتساوى تقريبًا.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.

أحمد المسلماني
المصري اليوم

Exit mobile version