تجربتي في محكمة سودانية.. عيني دمعت، شعرت بغيظ مميت، قلت لنفسي وانا أخرج.. تبا

قضيت مفتتح صباحي اليوم قائما امام منضدة (عرضالجي ) ، استقبلني باوراق الفلسكاب وخط لم امايز منه سوي مفتتح البسملة ومقاطع من اسمي ، كنت بصدد تحرير إشهاد شرعي مشفوع باليمين لاسمين لمسمي واحد ! بمعني ان تشهد المحكمة وقاضي صاحب ختم أن أنا أنا ! خطأ في اسمي علي ورقة دراسية أختلف مع هويتي في أحد الاحرف ، كاتبة متعجلة غم عليها فاضاعت شخصيتي ، شرحت الامر للعجوز الذي احسست به فقيها باحوال هذه الاشكالات ، جلست اليه ، تحت ظل شجرة كانت بالكاد تصنع ظلا ، سمي الله ثم بسمل ، جر شنطة جلدية ، تحسسها برفق فتح راسها فاطلت حزمة اوراق وبعض سيور وربطة دمغات ، اخرج اوراقه وتحسس جيبه ، أخرج قلما ثم شرع في الكتابة ، جرت يده المعروقة علي الاسطر بخفة لافتة لم يرفع راسه المكب علي النص الا ليسألني عن اسمي الصحيح واسمي المعطوب الممنوع من الصرف اجرائيا ، طلب بطاقة الشاهدين ، تفرسهما وقاس مشروعيتهما ، استعان ببعض محتواها ثم ردها الينا ، تحسس (الدمغات) ، مسح سطح ملصق لها ، انتزع اثنين او ثلاث ، تلفت الي زميلة يطلب أناء للماء يبل عليه عطشها وليطري صمغها حسب ما اظن ولما لم يحد توكل علي الله ومط لسانه لعق الاولي والثانية والثالثة ، شد لسانه للداخل ، احسست به يبتلع طعم الصمغ ، تضامنت معه ببلع ريقي ، انتهينا قال لي نقدته بعض جنيهات قيمة مكتوبه، حملت الاقرار او العرضحال لا اعرف ! استبشعت شكل الورقة ، تساءلت لماذا لا احضرها مكتوبة واشتري الدمغات تساؤل تعامل معه شاهداي بالصمت والتضجر من سخونة الطقس ، دخلت نحو (القاضي) ، اضطررنا للانتظار ، كان قد سبقنا اصحاب أغراض شتي ، كنت اظن ان كل صاحب قضية وموقف يقف وحده ، هذا ادعي للخصوصية والبوح ان كان بالامر فرجات للشأن الخاص ، شعرت بالضيق ، اذ كنت كل دقيقة ابذل تملقا لشاهدي حتي لا يضجر ولكي يدق عنق صوت هاتفه غريب الاضواء والرنين تشاغلت بمشاهدة جدل عجوز اثار غيظ القاضي ، كان الرجل ماكرا و(عكليت) ، يجيب علي السؤال اجابة لزجة مطولة يمطها حتي كاد الحضور في الانتظار ان تزهق ارواحهم قبل القاضي ، كان كمن يتلذذ بهذا العذاب المعنوي ، يلتفت نحو الحاضرين ثم يدس يده في جيب طويل كأنما يمتد الي حواف ركبته ! يخرج ورقة يدعم بها حججه ، مضت الدقائق مثل الساعات ، مرهقة وتعبة ،بعض الفضوليين شبعوا من المتابعة وكثرت همهماتهم ، حينما انقضي امره بتأجيل لوقت لاحق كاد البعض ان يصغق ، خرج من القاعة فكأنما روحنا ردت الينا ، كان اليوم قد انقضي ، تملل القاضي ، طار نحوه حاجب كان معتدا بوظيفته ، ظننته اول دخولنا القاضي الذي شنق عمر المختار لفرط خيلائه وسمت صرامته وكثرة تأففه ! تهامسا علي المنصة ثم زف لنا وابتسامة حارقة تسيل علي محتوي وجهه … تعالوا بكره وكرر بكره ! شعرت برغبة في العويل ، اغلب الظن ان عيني دمعت ، شعرت بغيظ مميت ..قلت لنفسي وانا أخرج … تبا

محمد حامد جمعة

Exit mobile version