لله والصحراء

والقصة يحكيها الراحل محمد إبراهيم نقد، لما كان ذات لحظة (إنقاذية مجنونة) يدخل تحت أرض الحياة الدنيا، وتعبير (مجنونة) هذا استلفه من السيد الصادق المهدي، قال المهدي لما دعته الإنقاذ على أيام صيف العبور للمشاركة في الحكم، قال يومها إن الإنقاذ تركب على حصانة مجنونة وليس لعاقل أن يكون رديفها!! المهم في الأمر، أن الراحل نقد كان قد اختفى فوق ظهر الأرض قبل أن يدفن في باطنها له الرحمة والمغفرة، ولا أعرف أن أتيحت له فرصة الآن ماذا كان سيقول لنا!! إن كان سيكون عليكم بالتمسك بالماركسية أكثر وعضو عليها بالنواجذ!! ذلك لدرجة الهتاف: يا أيها الرفاق هل وجدتم ما وعدكم ماركس حقا؟! أم سيقول لنا بما أوصى به النبي صلي الله عليه وسلم أمته: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي لا يزيغ عنها إلا هالك”؟!
* كان الراحل نقد يومئذٍ يخرج عن صمته وعزلته ليحكي بعض أدبيات (فقه الاختفاء).. أذكر أنه قال لا أتعرض للوجبات الدسمة حتى لا أضطر للخروج للأطباء، فأقع في قبضة السلطات الأمنية، غير أن ما أطربني في رواية الراحل نقد التي جاءت على طريقة (مائة عام من العزلة)، قال كنت أقرأ كثيراً.. وقد أطربني مقالا لكاتب أمريكي يخاطب الإخوة الجنوبيين بين يدي الانفصال.. جاء المقال تحت عنوان (أتركوا الشمال لله والصحراء)!! وهو يحثهم يومئذ للانفصال لأجل أن يستمتعوا ببيئة الجنوب الغنية بالامطار والخضرة، علي أن يتركوا الشمال للصحراء ولله.. أي المشروع الإسلامي!!
* تداعت لي هذه الخواطر أمس الأول ونحن نتوغل شمالا في متون وبطون ولاية نهر النيل، ولاشيء هنا على مد البصر سوى (الصحراء ورجال المرور)!! فلا تزال الأرض البور البلقع هي سيدة الموقف وتدخل هي الأخرى في دراما (مائة عام من العزلة والبور)!! وحتى الحيازات المسورة تحت أسماء مشاريع لم تخضر بعد!! ولا أعرف والحال هذه أين وصلت عمليات (الدمج والتسريح الزراعي) التي رفعت شعارها حكومة الولاية منذ نحو فترة و.. و.. و!!
* وكان سائق الحافلة السياحية كريما معنا وهو ينفق لنا في بادئ الأمر شيخ الزين.. قرآناً تكاد تنهد تحت سطوة تلاوته جبال.. قبل أن يعود ذات السائق وينقص غزله بتلك الدراما السخيفة.. واحد جعلي وآخر شايقي وأدروب وأبكر!! فلما كان شيخ الزين في قمة تجليه هتفت كما ذلك الكاتب.. الله.. (لله والصحراء).. ذات البيئة التي أهدت البشرية قيمة “رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ”.. فهذا هو المدخل الحقيقي لصناعة (دولة الكسرة والانكسار).. القرآن وإقامة الصلاة ثم صناعة الثمرات.. ولهذه الأشواق بقية..

Exit mobile version