كمال عوض : لندن.. عبق التاريخ.. رحيق الأمكنة.. عاصمة الضباب «1و2»

لندن.. عبق التاريخ.. رحيق الأمكنة.. عاصمة الضباب «1»

> «مرحباً بكم في مطار «هيثرو» أكبر وأنشط المطارات في بريطانيا.. أنبهكم أعزائي الكرام أن درجات الحرارة 4 درجات مئوية.. نتمنى لكم إقامة سعيدة وشكرا لاختياركم طيران…». > هكذا اخترقت كلمات الكابتن آذاننا المنهكة وكأنها تأتي من بئر عميقة.. طنين مزعج أحدثه الضغط الجوي في رؤوسنا.. «4 درجات» مئوية؟َ يا إلهي!!! قبضت أصابعي بقوة على معطف ثقيل أيقنت أنه الملاذ في رحلة طويلة مع الأمطار والجليد وطقس لم تألفه أجساد قادمة من خط الاستواء.!! > هي لندن إذن!! تلك التي يجري في شرايينها «نهر التايمز»… لندن التي تنام وتصحو على دقات «بيج بن».. لندن عبق التاريخ.. رحيق الأمكنة وعاصمة الضباب. > بدأت الأحداث عندما أعلن الاتحاد العام للصحافيين السودانيين عن دورة تدريبية في لندن بالتعاون مع شركة (C.T.V) وفتح باب التسجيل لكل منسوبي الاتحاد بمختلف مواقعهم، وشاءت الأقدار أن أكون الصحفي الوحيد الذي يعمل في الصحافة الورقية واكتملت إجراءاته تماما للاستفادة من هذه الدورة. > اليوم هو الثامن من أبريل من العام 2013م موعد انطلاق دورة التغطية الصحفية.. حماس كبير وسط المجموعة وهي تستقبل يومها الأول في لندن. > ترى كيف هي الأجواء؟.. كان السؤال مباغتاً، وجدنا إجابته فور مغادرتنا لشقتنا الدافئة في »Edgware road « موجة عاتية من الرياح الباردة اجتاحت أجسادنا وأمطار غزيرة دفعت أقدامنا دفعا للركض وكأننا نشارك في ماراثون عالمي. > داخل قاعة متوسطة الحجم بـ »Nadi Park Royal« شرق لندن التقطت المجموعة أنفاسها وبدأنا في تعريف أنفسنا للدكتور ميشيل داد الخبير الإعلامي في الـ »B.B.C« والمحاضر بالعديد من الجامعات والمعاهد البريطانية. «د. بتول الطيب مدير الإعلام سوداتل، ضياء الدين ابراهيم المصباح – مسؤول الاعلام سوداتل، عبد الله موسى علقم مسؤول الصحافة والنشر بنك فيصل الاسلامي السوداني، أمير عطية تلفزيون السودان وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للصحافيين السودانيين، سليمان عبد الرسول الاعلام والعلاقات العامة بوزارة الداخلية دولة قطر، عباس حسن أحمد سودانيز أون لاين». > توالت الايام وشهدت المحاضرات نقاشا مستفيضا حول مستقبل الصحافة الورقية في ظل تطور وتعدد وسائل المعلومات.. سكب خبراء الـ »B.B.C«عصارة تجاربهم وخبراتهم في محاضرات قيمة أضافت لرصيدنا الكثير.. قدم عمر العبادي نماذج لتغطيات حية قام بها إبان العدوان الأمريكي على العراق.. وفتح الخبير اليمني «فتحي شمس الدين» خزانة أسرار «الفيس بوك وتويتر» وكل أدوات التواصل الاجتماعي عبر تقنيات متطورة وأجهزة حديثة أظهرت البون الشاسع بين صحافتنا وقنواتنا وما تقدمه وتستخدمه وسائل الاعلام في الدول المتقدمة. > ثم كانت الجولات الميدانية لـ »B.B.C« و »M.B.C« والشرق الاوسط والحياة التي أثبتت فعلاً أننا نحتاج للكثير حتى نصل لما وصلت إليه هذه الصحف والمحطات. > داخل الـ »B.B.C« التقينا بنجوم القسم العربي ولم تغب عن ذاكرتنا مطلقا أسماء محمد خير البدوي، أيوب صديق واستدراكه الشهير حينما أخطأ وقال «هنا أم درمان» وإسماعيل طه ومرورا بعمر عطية ورشا كشان. أجيال وأجيال تذهب وتأتي ويظل صداهم وذكراهم العطرة في كل مكان. > في قناة »M.B.C« قدمت الاعلامية المتميزة جدية عثمان شرحا تفصيليا لأقسام القناة والمهام الموكلة لكل قسم من الأقسام، وشاهدت المجموعة بثا حيا لضيف من ضيوف القناة، تحدث فيه عن تطورات الأزمة السورية. > داخل هذه المؤسسات الضخمة والعريقة دار الحديث عن أهمية التدريب للكادر الإعلامي في السودان وضرورة تبادل الخبرات مع الدول المتقدمة عبر بعثات تتحمل الدولة نفقاتها حتى نصنع أرضية صلبة لمستقبل إعلامي يواكب الطفرة والتطور المستمر للإعلام وأدواته.

لندن.. رحيق الأمكنة.. عبق التاريخ.. مدينة الضباب «2»

> عندما تسير في طرقات العاصمة البريطانية لندن ينتابك إحساس بأن تحسب خطواتك جيداً حتى لا تزحزح شيئاً من مكانه. كل الأشياء موضوعة بدقة وعناية فائقة. التزام تام من المحال التجارية بكل التوجيهات. المباني عتيقة وعريقة. مئات السنين مرت على هذه البناية وعشرات السنين على أخرى. لهذا حافظت لندن على معالمها القديمة وصارت بعض مبانيها قبلةً للسياح كمبنى البرلمان. > حركة المواطنين كأنهم في موكب تحت إمرة قائد. وجوه باسمة.. خطوات نشطة تطوي المسافات وتقاوم برودة الطقس.. حركة المرور كانت مصدر قلق كبير لنا طوال الأسبوع الأول بالرغم من الإرشادات الكثيفة وتنبيهك بعد كل تقاطع بأن «سير المركبات على الجانب الأيسر من الطريق». > تعتمد المملكة المتحدة ككل على شبكة محطات المترو التي تغطي مساحات شاسعة في بريطانيا إلى جانب البصات ذات الطابق الشهيرة. وتقول الإحصائيات إن أكثر من خمسة ملايين مواطن وزائر يستقل القطارات والبصات يومياً في حراك دائم داخل العاصمة لندن. > وسط أجواء باردة جداً وقفنا في طابور طويل ننتظر دورنا للتجوال في متحف التاريخ الطبيعي (Natural History Museum)، وفوجئنا فور دخولنا بهياكل عظمية لديناصورات كنا نظنها من أساطير الخرافة كطائري الرخ والعنقاء!! صالات طويلة عرضت فيها سلالات نادرة لحيوانات وطيور وحشرات محنطة باتقان شديد.. صيحات الدهشة في كل مكان.. أقسام عديدة وحكاوي لا تتسع المساحة لذكرها وربما نعود إليها في أيام قادمات إن شاء الله. > أما متحف فكتوريا والبرت (Victoria and Albert Museum) فيشتمل على أكثر من «150» صالة عرض تعرض فيها الفنون الزخرفية البريطانية التي تشمل الخزف والتطريز والأثاث، بينما تتخصص بعض الصالات الأخرى في عرض فنون الدول الأوروبية الأخرى. > وفي المتحف الوطني البريطاني (British Museum) كان تاريخ السودان حاضراً بكل تفاصيله عبر جناح ضخم أرَّخ للثورة المهدية مروراً بالحكم الثنائي وحتى تاريخ السودان الحديث، كما اهتم المتحف بملحمة تغيير مجرى نهر النيل لبناء سد مروي. > وفي متحف الشمع «مدام توسو» شاهدنا تماثيل لمشاهير العالم في الفن والرياضة والثقافة والسياسة، وعرجنا على غرفة الرعب التي لم نمكث فيها طويلاً لما شاهدناه من أهوال داخلها. > حديقة الهايدبارك (Hyde Park).. مساحات شاسعة من الخضرة تنبت بين جنباتها أشجار ذابلة تنتظر الربيع وتبحث عن أشعة الشمس لتمنحها الحياة من جديد. ذهبنا إليها صباح أحد لنحظى بسويعات وسط مرتادي (Speakers Corner) وهو مكان يجتمع فيه الناس بمختلف توجهاتهم وجنسياتهم للحديث بحرية في شتى الموضوعات، وهو نشاط تهتم به مجموعة كبيرة من سكان لندن حتى صار من المعالم الرئيسة للحديقة، إلى جانب بحيرة البط والنوافير المنتشرة على امتداد الهايدبارك. > في صبيحة كل يوم يتم تغيير الحرس الملكي لقصر باكنجهام، وهو حدث ينتظره السياح بفارغ الصبر عندما يتوافدون على الساحة الخارجية وبوابة القصر لمشاهدة الفرسان وهم يمتطون الخيول ويلبسون قبعات جلد الدب. وقد لاحظنا الاهتمام الكبير للسياح بتلك الفعالية وحرصهم على التقاط أكبر عدد من الصور أمام بوابة القصر ومع الحرس الملكي. > أشهر أسواق لندن الشعبية هو سوق (Shepherds,bush) الذي يسيطر عليه تجار من الهند وباكستان والصومال والسودان، وتتوفر في السوق بضائع بذات الجودة التي تتميز بها المحلات الكبرى مع اختلاف كبير في الأسعار، وينافس (Shepherds,bush) الـ (Primark)، وهو قبلة للسياح خاصة الذين يأتون من الشرق الاوسط الذين يجدون مبتغاهم في أقسامه المختلفة وبأسعار معقولة. اما شارع (Oxford Street) فإنك تجد فيه كل ما تريد بمختلف الأحجام والجودة. > وفي (Covent Garden) كانت الدهشة حاضرة عندما فاجأنا رجل أشبه بتمثال من النحاس يجلس على الهواء ويحتسي كوباً من القهوة وكأنه يجلس على أريكة خشبية!! ثم تعالت ضحكات السياح في مسرح على الهواء مباشرة أداره الممثل بمهارة فائقة وأشرك معظم الحاضرين في فعالياته.

Exit mobile version