لماذا يصعب النوم الليلة الأولى في مكان غير مألوف؟

يعلّل اليابانيون أسباب الأرق الذي يعترينا خلال الليلة الأولى في سرير لم نعتد من قبل أن ننام فيه بقول مأثور هو التالي ” إن بدّلتم مخدّتكم، لن تناموا بعد اليوم. « لكن وإن كان في هذا القول الياباني الشعبي الكثير من الصواب، لا يكفي طرح اليابانيين لتفسير أسباب ظاهرة التيقّظ المستمرّ في أوّل ليلة نمضيها خارج سريرنا المعتاد.

لماذا؟ بكل بساطة لأنّ التجارب التي أجراها في الفترة الأخيرة باحثون من جامعة براون في رود أيلاند الأميركية تعزو ظاهرة الأرق الذي يستولي على معظم الناس خلال قضاء ليلتهم الأولى في أماكن جديدة « First night effect in human sleep (FNE) » الى الإرث المتحدّر من الانسان القديم الذي كانت عين من عيناه لا تعرف النوم تحت تأثير غريزة حبّ البقاء في الغابات والبراري الآوية للوحوش المفترسة.

أوّل مرة وُصف فيها الأرق الناجم عن تمضية الليلة الأولى في مكان غريب ،كان ذلك في الستّينات. الا أنّ الدراسة الأميركية الحديثة المنشورة في مجلة Current Biology خلُصَت، بعد مسحها لدماغ 35 شخصا أثناء نومهم للمرّة الأولى في مكان غير معتاد، الى أنّ السبب وراء ضعف القدرة على النوم في الأماكن الجديدة، ناجم عن قلق الدماغ من المكان الجديد والمجهول حين يبقى الشطر الأيسر من الدماغ متيقظا عصبيا بينما الشطر الأيمن يغرق في نوم عميق.

إن التحفيز العصبي في جهة دماغية واحدة دونما الأخرى هو الذي يقود الى التنبيه الدماغي الذي يدفع الى اليقظة أثناء النوم في مكان جديد. بفضل التقنيات المتقدّمة التي اعتمدها الباحثون الأميركيون في تصوير نشاط الدماغ والأعصاب عبر جهاز الرنين المغناطيسي الهيكلي الذي عاودوا به مسح دماغ الأشخاص الخاضعين للاختبار بعد ليالي عدّة من النوم في المكان ذاته، تبيّن أنّ المشاركين شعروا بالأصوات الخارجية في تجربة الليلة الأولى مقارنة بالليلة الثانية والثالثة، ولذلك كانوا أكثر يقظة وتقلباً في أولى الليالي التي قضوها في مكان غير مألوف.

إلى هذا، أكّد البروفسور الياباني Yuka Sasaki المشرف على الدراسة والخبير في العلوم اللغوية والنفسية في جامعة براون الأميركية، أنّ ظاهرة “الليلة الأولى” من الأرق المرتبط بالمكان هي ميزة مشتركة بين البشر والحيوان في مسعاهم الى حبّ البقاء.

ولذلك إن الكائنات البحرية على غرار الدلافنة والحيتان تتسلّح بظاهرة » الليلة الأولى « بغية الحفاظ على استمرارية نسلها، اذ إنّ غريزة البقاء لديها تُبقي نصف الدماغ متيقّظا عند النوم كتكتيك لمراقبة المحيط الموحش والشعور السريع بأي خطر داهم.

ولرُبّما دماغ الانسان يتصرّف على هذا المنوال تحسّبا لأي مكروه يغدر به وهو ينام بعمق في مكان دخل اليه للمرّة الأولى.

الايضاحات مع عمر الراوي، الدكتور الاختصاصي في طب الأسرة.

مونت كارلو

Exit mobile version