منى عبد الفتاح : أقلام ناعمة.. ولكن!

في سني عملي الصحفي الأولى عمدت إلى الالتزام برؤية مفادها أن الكتابة عن هموم المرأة وتناول قضاياها يساهم في خلق أو توسيع رقعة التمييز الموجودة أصلا ضد المرأة، لذا أحجمت لفترة عن الكتابة عن قضايا المرأة ومشاكلها وابتعدت عن ما يسمى بصفحات المرأة في الصحف بل أعلنت عدم اتفاقي مع مثل هذه الصفحات باعتبارها سياسة إقصائية للمرأة لأنها تعمل على حبسها في مربع الزواج والطلاق والصحة الإنجابية.
وصمدت فلسفتي غير المدعومة من أي جهة طويلا، فأعلنت زهدي في الصفحات المخصصة للمرأة واعترضت على تنظيمات وجمعيات باسم المرأة، وهو اعتراض ينطلق من ذات الفلسفة التي تؤمن بأن المرأة هي المجتمع ولا يجوز مناقشة قضاياها ومشاكلها بعيدا عن فضائه وفي تنظيمات أشبه بالغرف المظلمة لا يعلو فيها غير الصياح والعويل، وكل عناصرها من النساء بداية من رئيسة الجمعية إلى أصغر عضو فيها، فلمن تطرح المرأة مشاكلها إذن ومع من تتحاور؟
أما تهمة الكتابة الأنثوية التي تتبرأ منها كثيرات في عالم الصحافة والأدب فهي حديث ذو شجون. فما زال هذا النوع من الكتابة مثار جدل وتباحث. يرى البعض أن الكتابة الأنثوية هي كتابة هروبية، لا ترتفع عن مستوى الخاطرات وتعبر عن ضعف واضح في قلم المرأة برمزيتها وإيحائيتها وهي تخرجها عن دائرة الموضوعية التي يتقاطع عندها منظوران ورؤيتان خالدتان تلتقيان في نقطة هوية المرأة وكينونتها. ويرى آخرون أن المرأة تدعي التغيير وتنزع إليه على الرغم من اعترافها بالعجز وتلون قلمها في غير ما صمود متأثرة بالنماذج المستعارة دون النظر في اختلاف السياقات الثقافية، فلا هي تستعيد صياغة عالمها الخاص متكيفا مع ما قسم لها من تهميش ولا هي قادرة على دمج نفسها في الوسط الاجتماعي ككيان مستقل في استجابة واضحة لتعليمات الآخر وعراقيله.
أما عن تجربتي الخاصة في هذا المجال فقد رأيت كيف أن الكتابة الأنثوية من غير أن أعمد إلى تصنيفها في هذه الخانة، هي كتابة على لوحة خضراء مشرئبة إلى عوالم جميلة تتحقق بالإيمان للوصول إلى هذه العوالم وبالعمل من أجل ذلك، ولكنها تثير الآخر فيصوب نار اتهامه عليها بأنها لا تتفق مع همومه العامة وأنها غير مقروءة إلا في باب الترويح عن النفس. وفي حين أن كثيرا من الرجال يحسبون أنفسهم غير معنيين بما تكتبه النساء، فإنني لم أحتمل حبس بوحي وأخرجت شيئا منه فيما سميته «شيء من البوح»، قال عنه معشر الرجال إنه مجرد وسادة حلم يرى فيها من يغمض عينيه أنني انتظر صحوا ذات فجر أكيد. أما الفراشات اللائي كنت أكتب عنهن فكأن تعجبهن ينبئ عن قول مستور مفاده أن وقع حكايات الحب والألم لا يرجع حقا مهضوما لنفوس حبيسة الأسوار، وهو ما جعلني أكف عن هذا البوح المنشور وأكتفي بترديده مع نفسي بغير قليل من الدهشة.
ورغم الجهد الكبير الذي توج أخيرا بما وصلت إليه الأقلام الناعمة في عالم الصحافة اليوم وما وصلت إليه المرأة من مكانة في المجتمع، إلا أن المناداة بضرورة رفع الصبغة الأنثوية وفصلها عن الكيانات النسوية هي مطلب مشروع. وتأتي مشروعيتها من أنها تدحض التهمة التي تشي بأن الآخر لا يفهم ماهية الحقوق التي نريدها من جهة، ومن جهة أخرى يكشف فيما يكشف عن نظام يستدرج نزوع بعض النساء إلى السلطة ليصدقن أضغاث أحلامهن ويرتعن في حدائق الآخرين الذين يزرعون لهن منصبا هنا وإدارة هناك وهي مناصب يطعم بها فم امرأة واحدة لتستحي أعين جميع النساء.
mona.a@makkahnp.com

Exit mobile version