سهير عبد الرحيم : عاوزه بودي قارد

في أول أيام العيد كنت ضيفة على قناة النيل الأزرق؛ من خلال الحفل النهاري للفنانة نانسي عجاج، لم يلفت نظري -حينها- الحضور النوعي ولا جمهورها المترف بالذوق ولا اكتظاظ الصالة، ونفاذ التذاكر ولا إطلالتها التي تدفق أنوثة ورقة، ولكن الملفت حقاً؛ كان أكثر من ثماني بودي قارد، ظلوا يتحلقون حولها أينما حلت وأينما سكنت.
أيضاً وفي ثاني أيام العيد كنت ضيفة كذلك في ذات الصالة اسبارك سيتي، من خلال حفل للفنانة إنصاف مدني، وكان أيضاً البودي قاردات حاضرين. طيلة الحفلين كنت أنظر بذهول إلى البودي قاردات وهي ظاهرة جديدة بالنسبة لي، وربما لا تكون الظاهرة نفسها جديدة؛ ولكن غيابي عن أجواء الحفلات هو الذي جعلني لا أتابع المستجدات في حراسة وتأمين الشخصيات التي يفترض أنها مهمة.
ولكن على مايبدو أن الكثير من الأشياء أصابها الاختلال في هذا الزمن، فأصبح المبدع يحرس من جمهوره الذي رعاه وشجعه وآزره، وأصبح بعض الجمهور متفلتاً يحتاج إلى من يعيده إلى جادة الطريق. أحد الشباب كان يسدل شعره خلف ظهره ويرتدي(قرط) في أذنه ويلبس تي شيرت العلم الأمريكي حاول ذلك الشاب الصعود إلى المسرح لالتقاط صورة سليفي مع الفنانة نانسي؛ فما كان من البودي قارد إلا أن (قبقبه) من قميصه وأبعده عن المسرح، عقب ذلك سادت همهمات ما بين معترض على إبعاد الشاب من فنانته المفضلة وبين من يرى أنه يستاهل……!!
الغريب في الأمر! أن جيل الفنانين العمالقة أمثال وردي ومحمد الأمين وعثمان حسين وأبو داؤود وحسن عطية ومصطفى سيد أحمد وغيرهم من المبدعين؛ الذين وضع كل منهم بصمة مختلفة، وشكل لوحده مدرسة متفردة في فن الغناء السوداني لم نسمع يوماً بتحلق البودي قاردات حولهم، أو أي نوع من الحراسة الشخصية؛ بل إن الالتقاء بهم والتعبير عن حبنا لهم والتقاط الصور التذكارية معهم لم يكن به أي نوع من أنواع الصعوبة.
إن ظاهرة البودي قارد هي حالة تفرض سؤالاً مباشراً: هل وصلنا مرحلة أننا نحتاج أن نحمي بعضنا من بعضنا؟ وهل نيحمي هؤلاء أنفسهم من معجبيهم أم ممن يختلفون معهم فكرياً وثقافياً؟، ربما تكون لحادثتي محاولة تقبيل نانسي وصفع الفنانة فهيمة أثر في ضرورة البحث عن بودي قارد، ولكننا مازلنا نتمنى أن يظل داخل الإنسان السوداني- كما كان- قلب أبيض يحمل الحب للآخرين.
خارج السور:
الصديقة والكاتبة اللطيفة داليا الياس كانت بجانبي في تلك الحفلة، فداعبتني بلطف وهي تنتبه لذهولي قائلة (يا سهير فضلنا أنا وانت بس الماعندنا بودي قارد). ولكن.. أعتقد أنه في اليوم الذي أفكر فيه بالاستعانة ببودي قارد لحمايتي في بلادي.. حينها من الأفضل مغادرة هذه البلاد.

Exit mobile version